كنت أستمع إلي أغنية لفريد الأطرش كتب كلماتها الشاعر والصحفي الكبير كامل الشناوي: عُدت يا يوم مولدي ... عُدت يا أيها الشقي الصبا ضاع من يدي .. و غزا الشيب مفرقي ليت يا يوم مولدي .. كُنتَ يوما بلا غد إلي آخر هذه القصيدة المليئة بالشجن، علي مامر من أيام عمره، والخوف من غده، كنت أسمع هذه الأغنية، ويتداعي إلي ذهني ماسمعته عن كامل الشناوي من زملائه وتلاميذه من الصحفيين، وحديثهم عن مقالبه وخفة دمه، وقدرته علي جذب الأسماع إليه، وكيف كان يلقي أشعار أمير الشعراء أحمد شوقي، وقدرته علي تقليد أصوات الآخرين، وإنه نال البكوية.. إلخ. كنت أسمع عنه الكثير من الطرائف، وقرأت الكثير من الكتب التي تحدثت عنه وعن شعره، ورقة مشاعره، وأحزانه التي تبدو واضحة في قصائده، وكنت أسأل نفسي ولماذا هذا الحزن وهذا الشجن، والرجل قد بلغ مكانة رفيعة في عالم الأدب وعالم الصحافة، كنت أحاول أن أقترب من أعماق هذه الشخصية التي كانت مثار أحاديث كبار أدباء عصره ومفكريه. وقرأت لأحد زملائه في الدراسة الأزهرية، وفي الصحافة أيضا.. وهو عباس خضر، إنه يقول عنه: كامل الشناوي كاتب مرح يضمن النكتة أكثر كتاباته كما يرسلها في مجالسه، ولكنه شاعر حزين، وأعتقد أن الشعر هو التعبير الصادق عن حقيقته وحقيقة نفسه، فهو في أعماقه حزين.. عندما يتهيأ للشعر يغفو شعوره الظاهر الضاحك فيتصل بشعوره الباطن الحزين.. وهو في ذلك مثل حافظ إبراهيم الذي كانت كل مجالسه ظرفا ودعابة، وكان نصف شعره رثاء. ويقول عنه حافظ محمود نقيب الصحفيين الأسبق في كتابه (عمالقة الصحافة) بعد أن يتحدث عن نشأته وسيرة حياته ودخوله عالم الصحافة، وصداقته لكبار الأدباء والساسة في عصره. ومع هذا كله، فقد كان كامل الشناوي شاعر الدموع.. كان يبدو في خلواته وكأنه دمعة كبيرة قد تحولت إلي إنسان يعذبه نبوغه.. يعذبه حبه.. كانت اهتماماته وسهراته الاجتماعية تطغي علي قدراته الأدبية، وكان قلبه أكبر من حبه، وعقله أكبر من قلبه.. كان في معركة بين ماهو كائن وماكان يتمني أن يكون لكن هذه المعركة خلقت منه فنانا يخالط الفنانين ويحبهم ويحبونه أكثر من حبه لزملائه وحب زملائه له.. إن كان الشناوي طيفا ضخم الحجم، ولكن هذه الضخامة لم تحمه من أن يمر بهذه الدنيا وكل مافيها سريعا كمر النسيم.