لكتابات الأستاذ عباس العقاد طعم خاص.. فهي كتابات بقلم كاتب قال عنه الزعيم سعد زغلول إنه جبار الفكر. والكتاب الذي نشير إليه اليوم (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه) الصادر عن دار نهضة مصر، وكتب مقدمته الرئيس محمد أنور السادات عندما كان سكرتير عام المؤتمر الإسلامي. والعقاد في هذا الكتاب يتصدي بقلمه الجبار لهؤلاء الذين يحاولون النيل من الإسلام ونبي الإسلام، ويشككون فيما جاء به هذا النبي الخاتم، ويفند مزاعمهم. ويري الأستاذ العقاد أن أكبر الشبهات التي تعترض عقول المشككين والمنكرين شبهتان هما شبهة الشر في العالم، وشبهة الخرافة في كثير من العقائد الدينية. وخلاصة شبهة الشر أنهم لايستطيعون التوفيق بين وجود الشر في العالم وبين الإيمان بإله قدير كامل في جميع الصفات وخلاصة شبهة الخرافة في كثير من العقائد الدينية: أنهم لايستطيعون التوفيق بين العقائد وبين المحسوسات والمعقولات التي تتكشف عنها معارف البشر كلما تقدموا في معارج الرقي والإدراك. وبعد أن يحدثنا الأستاذ العقاد عن شبهة الشر وشبهة الخرافة، يحدثنا عن العقيدة الإلهية في مختلف الفلسفات السابقة علي الإسلام ويري أن عقيدة الإسلام تؤمن أن الله رب العالمين، مالك يوم الدين، لم يكن نسخة محرفة من صورة الله في عقيدة من العقائد الكتابية، بل كان هو الأصل الذي يثوب إليه من ينحرف عن العقيدة في الإله كأكمل ما كانت عليه، وكأكمل ما ينبغي أن يكون ومن ثم كانت هذه العقيدة الإلهية في الإسلام مصححة متممة لكل عقيدة سبقتها في مذاهب الديانات أو مذاهب الفلسفة ومباحث الربوبية. وبعد تحليل طويل يتساءل: ودين يصحح العقائد الإلهية، ويتممها فيما سبق من ديانات الأمم وحضاراتها، ومذاهب فلاسفتها تراه من أين أتي؟ ومن أي رسول كان مبعثه ومدعاه؟! من صحراء العرب؟ ومن الرسول الأمي بين الرسل المبعوثين بالكتب والعبادات! إن لم يكن هذا وحيا من الله فكيف يكون الوحي من الله؟! ليكن كيف في أخلاد المؤمنين بالوحي الإلهي حيث كان، فما يهتدي رجل أمي في أكناف الصحراء إلي إيمان أكمل من كل إيمان تقدم إلا أن يكون ذلك وحيا من الله، وأنه لحجر علي البصائر والعقول أن ننكر الوحي علي هذه المعجزة العليا، لأنه لايصدق عليها في صورة من صور الحدس أو الخيال.
ثم يحدثنا العقاد عن النبوة، وبعد تحليل ومقارنات بين مختلف العقائد يقول: ونختتم الكلام علي النبوة كما نختتم الكلام عن العقيدة الإلهية سائلين: - كيف تسني لنبي الإسلام أن ينفرد بهذه الدعوة وحيدا في تاريخ الأديان؟ الإرادة الإلهية هي الجواب الذي لامعدي عنه لمن يسألك هذ السؤال. ومن آمن بالإله فلا معدي له عن إرادة الله في تفسير هذه الظاهرة التي لانظير لها في أديان الكتابيين.. نعم لا معدي له عن إرادة الله ولو وصف الرسول بما شاء من نفاذ البصيرة وسمو الضمير.
ويمضي العقاد في كتابه الرائع متحدثا عن الإنسان، والشيطان، والعبادات، ثم يحدثنا عن الحرية الإسلامية، والأمة والأسرة، وزواج النبي، والرق، وحقوق الحرب، وحق الإمام، والأخلاق والآداب. ومن أجمل ما كتب العقاد في هذا الكتاب، رده علي أباطيل المستشرقين الذين حاولوا تشويه صورة النبي (صلي الله عليه وسلم) بتصويره كرجل محب للشهوة، وبالتالي يريدون إزالة الهالة التي يتمتع بها الرسول في حبه للخير وإقامة مجتمع جديد علي أساس من الحرية وتكافؤ الفرص علي أنقاض المجتمع الجاهلي..! يقول لنا العقاد: ما الذي يفعله الرجل الشهواني الغارق في لذات الجسد إذا بلغ من المكانة والسلطان ما بلغه محمد بين قومه؟ لم يكن عسيرا عليه أن يجمع إليه أجمل بنات العرب، وأفتن جواري الفرس والروم علي تخوم الجزيرة العربية ولم يكن عسيرا عليه أن يوفر لنفسه ولأهله من الطعام والكساء والزينة مالم يتوفر لسيد من سادات الجزيرة في زمانه. فهل فعل محمد ذلك بعد نجاحه؟ هل فعل محمد ذلك في مطلع حياته؟ كلا.. لم يفعله قط بل فعل نقيضه، وكاد أن يفقد زوجاته لشكايتهن من شظف العيش في داره. ولم يحدث قط أن اختار زوجة واحدة، لأنها مليحة أو وسيمة، ولم يبنِ بعذراء قط إلا العذراء التي علم قومه جميعا أنه اختارها لأنها بنت صديقه وصفيه وخليفته من بعده: أبي بكر الصديق رضي الله عنه. هذا الرجل الذي يفتري عليه الأثمة الكاذبون أنه الشهواني الغارق في لذات حسه قد كانت زوجته الأولي تقارب الخمسين وكان هو في عنفوان الشباب لايجاوز الخامسة والعشرين، وقد اختارته زوجا لها لأنه الصادق الأمين وتحدث عن كل زوجة تزوجها الرسول وظروف الزواج منها، ليظهر لنا الرسول عليه الصلاة والسلام كمثل أعلي يقتدي به، وأنه صاحب رسالة هي أحب إليه من كل شيء، وأن المبشرين المحترفين لم يكتشفوا من مسألة الزواج في السيرة النبوية مقتلا يصيب محمدا أو يصيب دعوته من ورائه، ولكنهم قد كشفوا منها حجة لا حجة مثلها في الدلالة علي صدق دعوته وإيمانه برسالته، وإخلاصه لها في سره كإخلاصه لها في علانيته، ولولا أنهم يعولون علي جهل المستمعين لهم لاجتهدوا في السكوت عن مسألة الزواج خاصة أشد من اجتهادهم في التشهير بها واللغط فيها. والكتاب رحلة روحية وعقلية عن النبي العظيم وسيرته الخالدة..(صلي الله عليه وسلم).