مذ تعلمت حروف الهجاء وأنا أكتب كل ليلة لكنني أحسست هذا اليوم أن الكتابة مختلفة، أعددت فنجان قهوة وجلست أمام الآلة الكاتبة، تناولت ورقة نظيفة بيضاء مثل الشرشف المكوية لممارسة الحب وأدخلتها في إسطوانة الآلة شعرت بشيء غريب.. نفحة من البهجة تسري في عظامي وأوردتي وأن هذه الورقة تنتظرني من عشرين عاما وأنني لم أعش إلا لهذه اللحظة واقتناص الحكايات المعلقة في الهواء الرقيق لأجعلها قصصا، كتبت اسمي وتوالي توارد الحكايات دون جهد مرتبطة، خرجت الشخصيات من ظلال السنوات إلي النور لكل منها وجهها وصوتها وعواطفها وهواجسها وانتظمت الحكايات المحفوظة في الذاكرة المتوارثة منذ زمن سابق لولادتي مع حكايات أخري وتذكرت أحداثا قديمة ونوادر أمي ورجال ونساء كانت حياتهم في متناول يدي أتصرف بها وفق مشيئتي الحرة وتحول الماضي إلي حاضر ويمكني الإمساك بزمام المستقبل واجتمع شمل من تفرقوا وظهرت أشياء غيبها النسيان كنت مستغرقة حتي نسيت الطعام . في المساء وجدت فنجان شيكولاته أمامي احتجت لثوانٍ لأستوعب، فقد كنت في أعماق غابة أطارد طفلة وقد تراكم فوق الطاولة تل من الأوراق الملطخة بالملاحظات والتصحيحات وبقع القهوة ولم أكن أعرف أين سأصل وكيف ستكون النهاية أعمل ساعات من الفجر إلي الليل ولا آكل إلا حينما تطعمني ولا أنام إلا عندما تقودني للفراش وفي أحلامي أواصل الغوص في عالم الرواية والحكايات أعيش حياوات كثيرة أتكلم بأصوات متعددة وكانوا يتجولون حولي في البيت ضمن أسرتي. (رصد لعملية الإبداع في رواية إيزابيل الليندي )