دعاني الفنان الشاب محمد رمضان لمشاهدة مسرحيته: أهلاً رمضان، كان العرض يقدم علي مسرح الزعيم بشارع الهرم. وأنا منذ أن ذهبت إلي هذا المسرح للقاء عادل إمام بخصوص احتفالنا بعيد ميلاد راحلنا الكبير محمد حسنين هيكل. لم أذهب إلي هناك إلا لمشاهدة مسرحيات عادل إمام. وقصة ذهابي إلي هناك أن ابنتي رباب الإعلامية في قناة نايل سينما توصل إليها أهل طفل هو محمود سامح عثمان، أجري أكثر من عملية جراحية للعلاج من مرض السرطان ثم تماثل للشفاء، ولم يعد له من أحلام في الدنيا سوي أن يري رأيَ العين الفنان محمد رمضان. وأن يلتقط لنفسه صورة معه. منذ وصولنا إلي مسرح الزعيم وثمة علامات تؤكد جماهيرية محمد رمضان. فركن السيارات مشكلة، وانتظار الناس مشكلة، والطوابير علي شباك التذاكر تعلن عن حالة من الجماهيرية التي يحتار مثقف مثلي في فهمها واستيعابها ولا يعرف حتي طريقة التعامل معها. حاولت أن أتذكر المشهد في زمن عادل إمام - ليس للمقارنة ولكن من باب اختبار القدرة علي التذكر - ولكن الذاكرة خوَّانة. محمد رمضان مجند في قواتنا المسلحة، في سلاح الصاعقة. لذلك فهو لا يقدم العرض سوي يوم الجمعة من كل أسبوع. وأحياناً خميس وجمعة. والمسرح القديم هو نفسه المسرح الحالي. ولست في حاجة للقول أن المسرح - عموماً - إحدي ركائز أي نهضة إنسانية وفكرية وثقافية علي مدي التاريخ الإنساني. ولست في حاجة إلي القول ثانياً أن مسرحنا يعاني ويعاني ويعاني. علي الرغم من وجود عرضٍ ناجح في شارع القصر العيني عن رواية قواعد العشق الأربعون للروائية التركية التي تعيش في لندن: إليف شافاك. دعاني مخرجه عادل حسان لحضوره، وأنا شديد الحرص علي الذهاب إليه لأن عودة الأضواء لمسرحنا مسألة لا تقل أهمية عن أي قضية أخري لا بد أن نهتم بها. أهلاً رمضان عرض من إخراج خالد جلال، وأنا لا أدري أين يجد خالد جلال الوقت الذي يمكنه من القيام بما يقوم به - اللهم لا حسد - وعندما شاهدني خالد جلال أدخل المسرح اعتبر أن ذهابي حدث، وهو محق في تصوره لأنه ربما يري أنني كلما سمعت كلمة قطاع خاص تحسست مسدسي، مع أنني ليس لديَّ مسدس، ولا أعرف كيف أتحسسه، والعرض من تأليف وليد سيف، وعندما قابلته أخبرني بأمرين، الأول أن لديه مجموعة من القصص القصيرة سينشرها وأنه مؤلف مسلسل الدالي الذي قام ببطولته صديقنا وابن جيلنا ونوارة زماننا نور الشريف. كان من أبطال أهلا رمضان: سامي مغاوري، من الممثلين الذين احترفوا التمثيل واعتبروه هواية قبل أن يكون حرفة، ويقوم بدوره علي المسرح كأنه يمارس لعبة يحبها كثيراً، ولا يقوم بعمل مقابل أجر. وبطلة العرض أمام محمد رمضان الفنانة روجينا، وأنا أعرفها وأعرف زوجها النشيط الدءوب أشرف زكي وشقيقة زوجها ماجدة زكي، التي أفتقدها كثيراً في مسلسلاتنا الآن. كنت مدعواً لذلك لم أعرف أسعار التذاكر، وأن لديَّ حساسية من أسعار تذاكر مسرح القطاع الخاص، وما كنت أحب أن أستخدم عبارة مسرح القطاع الخاص، حتي لا أحقق لخالد جلال ظنونه بالنسبة لي، لكن أيضاً سعر التذكرة المعقول والمقبول يشجع المواطن العادي علي أن يفكر للذهاب للمسرح، مع أنها مغامرة كبري، فمجرد الانتقال من البيت والذهاب إلي شارع الهرم، والعودة منه تتطلب خطة خمسية لمواجهة مفاجآت الشوارع. لاحظت علي الجمهور داخل المسرح أن معظمه من الأشقاء العرب، مما أعطاني الانطباع أن أسعار التذاكر ربما كانت غالية، وأنا يرقص قلبي فرحاً كلما شاهدت شقيقا عربيا في أي مكان في بر مصر، ليس للأمر علاقة بأزمتنا السياحية، ولكن أيضاً لأن مجيء الأشقاء العرب إلي مصر يعني أن ثمة أملا قد يتحقق في يوم من الأيام أن تعود لنا مصر التي كانت، وأن يعود لنا دورنا الذي لم تكن تغرب عنه الشمس. لست مستعداً لأن أنسي - للحظة واحدة - أن عبد الناصر العظيم قاد الأمة العربية والعالم الإسلامي والعالم الثالث وجزءاً كبيراً من الدنيا بالفن، لا أحب استخدام كلمة القوي الناعمة لأنها ابتذلت من كثرة ترديدنا لها، لكن عبد الناصر قاد الوطن العربي بالكتاب والأغنية والاسطوانة ولوحة الفن التشكيلي والفيلم السينمائي والعرض المسرحي. لا بد من كلمة عن محمد رمضان. وقد هالني أن أعرف أنه مولود في 13 مايو سنة 1988، لن أحدد سنه حتي لا أقارنه بنجوميته، أول فيلم مثل فيه كان فيلم: رامي الاعتصامي سنة 2008 وفيلم إحكي يا شهرزاد سنة 2009، ولا بد أن أدواره كانت صغيرة وهامشية لدرجة استحالة تذكرها. أنا لم أشاهد الفيلم الأول، شاهدت الفيلم الثاني لسبب وحيد أن كاتب القصة والسيناريو والحوار له ابن جيلي وحيد حامد. محمد رمضان له حضور فريد علي المسرح، والمسرح مدرسة الفنان الأولي والأخيرة. لا يحدثني أحد عن السينما، ولا يذكر أحد مسلسلات التليفزيون، المسرح هو المدرسة الجوهرية لأي فنان، خشبة المسرح هي الامتحان، ومحمد رمضان فيه بذرة الفنان الذي يمكن أن يكون كبيراً في يوم من الأيام، لكن مشكلته أنه جاء في زمن غير زمنه وأوان غير أوانه. مصر التي صنعت نجومها وأفرزت رموزها ومكنت مبدعيها من أن يكونوا نجوماً ليس في المجتمع المصري، ولكن في المجتمع العربي والإسلامي لم يعد لها وجود. يخطئ من يتصور أنها مسئولية الدولة، او مسئولية الحكومة، صحيح أن الدولة مسئولة والحكومة تتحمل العبء الأكبر، لكن مشكلة مصر غياب المجتمع الحاضن الذي كان يحتضن مواهبه ويقف بجوارها وينميها ويمنحها كل الفرص لكي تصبح نجوماً حقيقية. ليست مشكلة محمد رمضان وحده، إنها مشكلة جيل، لا تقتصر علي أهل الفن والثقافة، ولكنها تمتد إلي كل ما هو إبداعي في حياتنا، في جميع المجالات، لو سألت نفسي أين بذور نجوم الغد؟ لكان العثور علي الإجابة صعباً، إن لم يكن مستحيلاً.