جهود ومحاولات مصر بحكم المسئولية القومية والريادة العربية والجيرة لدولة ليبيا الشقيقة.. لا تتوقف من أجل التوصل لتسوية لحالة الفوضي والضياع المستمرة منذ ست سنوات. إنها تسعي لتحقيق هذا الهدف من خلال اللجنة الوطنية المصرية برئاسة الفريق محمود حجازي رئيس الاركان العامة. هذه اللجنة تعمل مع جميع أطراف النزاع للاتفاق والتوافق علي صيغة تنهي الصراعات المسلحة الذي أدي نشاطها إلي تهديد ليبيا بالانقسام والتفتيت. يتركز عمل اللجنة علي أن يكون الحل ليبيا ليبيا وهو أمر لا يمكن أن يتم الا بتوقف التدخلات الخارجية ذات الأهداف الخاصة. ما تبذله مصر إلي جانب أنه واجب قومي عربي إلا أنه في نفس الوقت يصب لصالح الأمن القومي المصري خاصة بعد أن أصبحت الاراضي الليبية مرتعا للتنظيمات الإرهابية التي تستنزف الثروة الليبية. هذه التنظيمات الارهابية العميلة تعد في نفس الوقت مصدرا لتزويد الجماعات الإرهابية في مصر بالسلاح. في هذا الاطار تحرص مصر علي تفعيل ما توصلت إليه الأممالمتحدة من اتفاقات كان أساسها اتفاق »الصخيرات». كما هو معروف فقد كانت محصلة هذا الاتفاق انشاء المجلس الرئاسي الذي يرأسه فايز السراج في ظل شرعية البرلمان المنتخب الذي يتخذ من طبرق في شرق ليبيا مقرا له. من ناحية أخري وعلي ضوء التطورات الميدانية لابد أن يوضع في الاعتبار انتصارات الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير »خليفة حفتر» والمتمثلة في تطهير الشرق الليبي من سيطرة التنظيمات الإرهابية. ليس هذا فحسب ما حققته قوات »حفتر» وإنما تشير المعلومات المتداولة استعداد قواته لاقتحام طرابلس التي يتخذها المجلس الرئاسي مقرا له لانهاء سيطرة التنظيمات والمليشيات المسلحة علي العاصمة الليبية. في إطار جهود اللجنة الوطنية المصرية فقد تم الدعوة أخيرا إلي اجتماع في القاهرة بهدف الجمع بين الاطراف الرئيسية في الازمة الليبية وهم فايز السراج وصالح عقيلة رئيس البرلمان والمشير حفتر. ورغم تقدير الاطراف الثلاثة للدور المخلص والشريف الذي تقوم به مصر لصالح الشعب الليبي فإن هذا الاجتماع لم يتم حيث اقتصر الأمر علي عقد اجتماعات منفردة مع كل طرف من الاطراف الثلاثة دون إمكانية الجمع بين الثلاثة في اجتماع واحد. وفقا لما صرح به بعض الرموز والمحللين السياسيين الليبيين فقد رفض المشير حفتر اتمام هذا الاجتماع إلا بعد الاقدام علي تعديل تشكيلة المجلس الرئاسي علي اساس ابعاد ممثلي العناصر المسلحة والإرهابية وفي مقدمتها جماعة الارهاب الاخواني التي يقول إنها كانت سبب خراب ليبيا. كان موقف حفتر حازما في هذا الرفض بينما دعا السراج إلي أن يكون اللقاء بدون شروط وأن يكون كل شيء مطروحا للبحث والمناقشة. بالطبع فإن العقل والمنطق يقول إن »حفتر» و»عقيلة» لهما حق فيما يتعلق بمطالبهما . هذه المواجهة تقوم علي أساس أن محنة الدولة الليبية سببها ما قامت وتقوم به هذه التنظيمات المسلحة غير الشرعية التي يحكم تحركاتها الفكر الارهابي والعلاقات المشبوهة الخارجية. ليس هناك مفر من الوصول إلي صيغة تستجيب لشروط المشير حفتر الذي يتحدث من مركز قوة بعد سيطرة قواته علي كل منابع البترول الغنية في الشرق الليبي. استنادا إلي هذه الحقيقة فإن هذا الامر يتطلب التحرك نحو تعديل بنود اتفاق الصخيرات بما يتفق والمتغيرات السياسية والميدانية علي الاراضي الليبية. أعتقد أن الازمة أصبحت أكثر اقترابا إلي الحل اذا ما اتفقت جميع الاطراف علي أن تضع مصلحة ليبيا فوق كل مصلحة. التوصل إلي هذه الرؤيا يحتم علي الجميع الايمان بأنه لن يكون هناك استقرار مع استمرار أي سيطرة أو دور للجماعات والتنظيمات الارهابية. المستجدات علي الوضع العسكري داخل ليبيا والذي كان المشير »حفتر» الفضل فيها أصبحت عاملا مهما وفاعلا بالنسبة لمواقف الدول الاوروبية وفي مقدمتها إيطاليا. هذه الدول كانت وراء دعم ومساندة اتفاق الصخيرات والاصرار علي اعطاء دور للميلشيات والجماعات المسلحة والارهابية التي كانت تمدها بالبترول. هذه الدول الآن وفي ظل ما حققه الجيش الوطني الليبي من انجازات عسكرية بدأت تميل إلي فتح قنوات للتعامل مع المشير حفتر وهو ما يمكن اعتباره نوعا من الموافقة علي مطالبه. بالطبع فإن دافعها إلي ذلك هدفه خدمة مصالحها البترولية والتي كانت وراء تدخل »حلف الناتو» التي تتمتع بعضويته وأدي إلي تفاقم الازمة وظهور هذه الجماعات الارهابية. رغم ما قد يتسم به مواقف الاطراف الليبية من تباين فإن القاهرة مازالت تمارس مساعيها وجهودها من أجل تقريب وجهات النظر. يأتي ذلك إيمانا بأن التوافق بين القوي الوطنية الليبية الحريصة علي أمن واستقرار وطنها هو وسيلة الوصول إلي تعافي الدولة الليبية. كل الدلائل تؤكد ان القاهرة سوف تعمل في المرحلة القادمة لتحقيق هذا التلاقي وصولا إلي إيجاد الارضية المناسبة لحل الخلافات في وجهات النظر. حتي يتحقق هذا الامل فإن علي القيادات الوطنية الليبية ادراك وتقدير ما تعرض ويتعرض له الشعب الليبي من مآس ومعاناة تواصلت علي مدي السنوات الست الماضية.