في السابع عشر من فبراير تمر سنة علي رحيل الأستاذ هيكل في نفس اليوم من العام الماضي. وربما لن يصدقني أحد عندما أقول أن الرجل ما زال حاضراً بوجدانه معي. وفي لحظة ما يخيل إليَّ أنه سيأتيني اتصال تليفوني منه. أو من مكتبه. وأنني داخل إليه أسمع منه العبارة الأولي التي لم يغيرها طوال حياته: إيه الأخبار؟. في ندوات معرض القاهرة الدولي للكتاب. وفي السرايا الرئيسي، عقدت ندوة عن الأستاذ محمد حسنين هيكل. تشرفت بإدارتها وتقديمها. وشارك فيها الزميل محمد عبد الهادي علام، رئيس تحرير الأهرام. وضيف مصر: خالد عبد الهادي، المثقف الفلسطيني، الذي جاء من الأردن خصيصاً وعلي نفقته الخاصة للمشاركة في الندوة. وصديقي وزميلي في الدرب الهيكلي والناصري: عبد الله السناوي. من المستحيل تلخيص ما قيل في ساعتين في هذه المساحة. لذلك أكتفي بالعناوين. أو بجوهر ما سمعناه في الندوة. حذرت نفسي قبل الكتابة ألا أسهب في ذكر ما قلته. فلدي كل إنسان نرجسيته الخاصة. ولو أنصت لصوت نفسي لفعلت هذا. لكني قلت لنفسي: أن النفس أمَّارة بالسوء، فاحذرها. ولعبد الله السناوي كتاب عن هيكل. لم يصدر بعد. عنوانه: أحاديث برقاش، هيكل بلا حواجز. ولخالد عبد الهادي كتاب عن الأستاذ في المطبعة الآن. لم يتمكن إبراهيم داوود، مدير مركز الأهرام للنشر من طرحه في المعرض. وربما نزل للأسواق في 17 فبراير الذي يوافق عام علي رحيله. الكتاب عنوانه: معالم علي طريق طويل. تساءل هشام العربي: لماذا لم يكن الأستاذ هيكل شخصية المعرض هذا العام؟ ومع كل تقديري الشخصي لصلاح عبد الصبور. وأنه يستحق ما هو أكثر من أن يكون شخصية المعرض لأعوام كثيرة. ورغم أنني أحد الذين يخططون للنشاط الثقافي للمعرض. فأعترف بأن الأمر فات عليَّ وعلي زملائي في اللجنة العليا للمعرض. فهيكل كان يستحق أكثر من ندوة. وما فاتنا هذا العام أتمني أن نتداركه في الأعوام الآتية، فإسم بحجم هيكل يستحق أن يكون شخصية العام في معرض القاهرة الدولي للكتاب. وليس في هذا الكلام أي انتقاص لقدر أو إسم أو إنجاز صلاح عبد الصبور. عندما قدمت محمد عبد الهادي علام. قلت أنني أحسده لأنه يجلس في المكتب الذي أدار منه هيكل الأهرام. وربما يتعامل مع المفردات التي تعامل معها. وعندما قدمته قلت أنه رغم دوره وعمله. فهو إنسان بسيط، شديد التواضع. كان قريباً جداً من الأستاذ هيكل. وربما كان محمد عبد الهادي مع ياسر رزق، رئيس تحرير الأخبار، من أقرب رؤساء التحرير الشباب لقلب ووجدان الأستاذ هيكل. أما عبد الله السناوي، فقد دهشت عندما نفي نفياً قاطعاً أن الأستاذ هيكل كتب مذكراته. وأنا كنت صاحب السؤال. وقال عبد الله السناوي أنه حتي لو أن الأسرة قالت أن هناك مذكرات. فأنا أقول قولاً واحداً أن الرجل لم يكتب مذكراته. وإن كان لم يشرح من أين جاء هذا اليقين المطلق الذي لا يقبل النقاش. قال لي خالد عبد الهادي أن الأستاذ كان يكتب يوميات. ويدون ما يجري بينه وبين من يزورونه في أوراقه الرسمية ويحتفظ بها. ألا تعد هذه الأوراق نواه لمذكرات؟. قلت للحاضرين أن الدكتور أحمد هيكل اعتذر عن حضور الندوة لسفره صباحاً للجزائر. وأقسم لي أنه لو كان يعرف بأمر الندوة. لكان جعل سفره ليلاً بدلاً من أول النهار. وأن الدكتور علي هيكل كانت لديه ارتباطات مع مرضي. يقدمها علي أي أمر آخر مهما كان. وأن الدكتور حسن هيكل لم يكن موجوداً في مصر. ربما كان من أهم الأسئلة التي طرحت علينا من أحد الحاضرين عن دور هيكل في الخامس عشر من مايو 1971، وكيف تحالف مع خصوم عبد الناصر ولم يقف مع رجال عبد الناصر؟ وقد تناوبنا الإجابة علي السؤال. وأعتقد أنه سؤال جوهري. وتحتاج الإجابة عليه ربما لندوة من المتخصصين والمؤرخين الذين يعودون لأوراق تلك الأيام ووقائع هذه الأحداث. ويقدموا شهادة جديدة تجيب علي السؤال الكبير. هناك اجتهادات حول الأمر. والأستاذ هيكل تحدث كثيراً عنه في كتبه. لكن الأمر يحتاج لمزيد من البحث. سأل الحاضرون عن جوائز مؤسسة هيكل. وقلت لهم أنها ستوزع في 25 سبتمبر القادم. عيد ميلاده الأول بعد رحيله عن الدنيا. أثناء الندوة دخل علينا زميلنا أنور عبد اللطيف. كان يحمل نسخاً من كتاب أصدره عن الأستاذ هيكل. كان يحمل النسخ الأولي من الكتاب. وقد أهدانا ما كان معه من النسخ. والكتاب عنوانه: هيكل، الوصايا الأخيرة. وصاحب الكتاب لا يكتفي بما كتبه، رغم أهميته الشديدة. بل توجد أكثر من ملزمة عبارة عن صور سواء لنجوم زمن الكتاب أو صفحات الأهرام. أو أحوال الدنيا. وعلي الغلاف الخلفي صورة للأستاذ هيكل في برقاش، وهو يكتب مرتدياً ملابس بسيطة. لكن لفت نظري أنه كان يضع في يده اليسري ساعتين متجاورتين. مما جعلني أستغرب الصورة كثيراً.