طالعت ردود أفعال البعض تجاه كلمة الإمام الأكبر في المؤتمر التحاوري الذي جمع المختلفين في بورما تحت قبة الأزهر ليصلوا إلي وسيلة سريعة في إيقاف نزيف الدم الذي يتعرض له المسلمون في بورما،ويُذبحون أمام العالم المتحضر الذي لم يحرك ساكنا، فتحرك الأزهر بإمامه، واستجاب الجميع، وولوا وجوههم شطر مصر ليصلوا إلي الحل المنشود، وفي الكلمة أثني الإمام علي الحاضرين خاصة البوذيين، وذكرهم بحكيمهم بوذا، وببعض من صفاته الحسنة الخ، والغريب أن المتربصين عندنا لم ينظروا إلي الجانب الإيجابي للمؤتمر، والذي يمكن أن يعود بالنفع علي المسلمين في بورما، ولا إلي مكانة مصر، وأزهرها في قلوب هؤلاء الذين شدوا الرحال لبلدنا دون أن يشدوها إلي الأممالمتحدة، ولا الدول التي يُقال إنها عظمي، بل إلي مصر الأزهر، فذلك غاب عن أفكارهم، ولم يثر انتباههم سوي ثناء الإمام الأكبر علي بوذا أمام أتباعه، وذكر البعض من صفاته الحسنة والتي جاءت في كلمته بحكمة عالية ليرطب قلوب أتباعه، فأخذ المتربصون يلطمون الخدود، ويصفون ذلك بأنه مخالف للشرع، وأن شيخ الأزهر شذ عن الدين الحق، وأثني علي كافر، وملأوا صفحاتهم بذلك، الأمر الذي أثار بلبلة لدي البعض!!. وحقيقة : ما كنت أظن أن الغباء الفكري يصل إلي هذا المستوي المرتفع في عقول هؤلاء، فهم ينظرون تحت أقدامهم، ويشوهون وجه شرعنا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وكان عليهم أن يستحوا مما ادعوه، ولا يلبسوا الحق بالباطل، فمن استمع لكلمة الإمام الأكبر لوجد الحكمة تتقاطر بين ثناياها، فالرجل في مؤتمر تحاور، وصلح، ولم شمل، والحاضرون جاءوا إلي داره مصر . أليس من الحكمة أن تُستدعي في موقف كهذا : أجمل العبارات التي يحبها الآخر في دينه، ورموزه، ويراعي مقتضي الحال، أم تستدعي عبارات التنفير للخصم،والطرد من الحوار ؟ ! ثم هل قال الإمام عن بوذا بأنه : رسول الله، وأن ديانته سماوية أم كان فضيلته دقيقا في الطرح، وواضحا في العبارات ؟ فقال : (كان مؤسسا لديانة إنسانية) وفي شخصه كانت جوانب طيبة كالرحمة والهدوء والدعوة للسلم بين بني الإنسان. وهو يقرر بذلك أن هذه الديانة أرضية، وضعية لا سماوية، وأن هذه القيم في شخص بوذا كان علي اتباعه أن يترجموها لواقع ملموس فكيف غابت عنكم يا أتباع بوذا ؟ فهل في هذا خطأ ؟ أليست هناك ديانات وضعها الإنسان، وأمرنا الرحمن باحترامها ؟ ألم يقل المولي ( لكم دينكم ولي دين ) فهل اختلاف هؤلاء معنا في الدين يمنع ذكر محاسن بعضهم، ويمنع التعايش معهم بسلام ثم من قال إن الشرع حرم الثناء علي المخالفين؟!. تبت يدا من فهم ذلك، فالنبي الذي علمنا الشرع هو الذي وصف النجاشي بأنه : (ملك لا يُظلم عنده أحد) ولم يكن وقتها مسلما. وهو الذي أثني علي مطعم بن عدي الذي وقف مع النبي مواقف حسنة في مكة وهو كافر فقال عنه : (لو كان مطعم بن عدي حيا ثم استشفعني في أسري بدر من الكفار لشفعته فيهم). وهو الذي أثني علي حاتم الطائي في صفاته الحميدة أمام ابنته سفانة حينما وقعت في الأسر ثم أمر بفك أسرها إكراما لأبيها صاحب هذه الصفات). ثم كما أثني علي حلف الفضول، ومن كان سببا في تكوينه من الكفار في الجاهلية، وقال : ( لو ُدعيت إلي مثله في الإسلام لأجبت ) الخ. ولو عددنا الشواهد من شرعنا في كيفية ثناء النبي علي الصفات الحميدة عند مخالفيه لسودت أقلامنا بذلك مجلدات، فشرعنا يحترم الآخر، ويطالب بالتعايش معه بكل وسائل السلم. (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) .