هو في الخلق بشر، وهو نور في البصيرة والبصر، المسك والكافور من عرق النبي، والفل والياسمين من وجناته، عيسي المسيح رآه في انجيله، وكذا الكليم رآه فيتوراته، يا عاشقين محمدا وجماله، صلوا عليه لتسعدوا بصلاته. قال ابوهريرة: ما رأيت أحداً أحسن من رسول الله، كأن الشمس تجري في وجهه، وإذا ضحك يتلألأ في الجدر »جمع جدار« وقال البراء بن عازب: ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلي الله عليه وسلم، وقال علي رضي الله عنه: من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه، يقول واصفه: لم أر قبله ولا بعده مثله صلي الله عليه وسلم. وقال جابر بن سمرة حين قال له رجل : «كان وجهه مثل السيف قال: لا، بل مثل الشمس والقمر وكان مستديراً، وقالت أم معبد في بعض ما وصفته به: أجمل الناس من بعيد، وأحلاهم وأحسنهم من قريب، وفيحديث أبن أبي هالة: يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، لقد كان أبيض مشرباً بحمرة ضخم الهامة، وكان بين كتفيه للنبوة علامة، وكان يري من خلفه كما يري من أمامه اللهم صل علي حبيبك المبعوث من تهامة. لقد جمعت المكارم كلها في شخصه العظيم، حيث وفور عقله وذكاء لبه وقوة حواسه وفصاحة لسانه ونقاء فطرته واعتدال حركته وحسن شمائله، فهو نور الأنوار، وسر الأسرار، وإمام الخاصة الأبرار، يقول القاضي عياض: وأما كلامه المعتاد وخصاله المعلومة وجوامع كلمه وحكمه المأثورة فقد ألف الأدباء فيها الدواوين، وجمعوا في معانيها وألفاظها آلاف العناوين، لأن فيها ما لا يوازي فصاحة، ولا يجاري بلاغة. اللهم صل وسلم علي حبيبك محمد إمام كل نبي، وجد كل عالم وتقي. الإمام البوصيري.. صاحب البردة هو محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري، ولد بقرية «دلاص» في بني سويف بصعيد مصر عام 1212م لاسرة ترجع إلي قبيلة «صنهاجة» إحدي قبائل البربر التي استوطنت الصحراء جنوب المغرب الأقصي، نشأ بقرية «بوصير» وإليها نسب، ثم انتقل إلي القاهرة وتلقي فيها علوم الدين واللغة والأدب. برع البوصيري في الشعر والأدب وكان مجيداً فأبدع عدة مؤلفات كانت سبباً فيشهرته، ومنها «الهمزية النبوية» التي يخاطب فيها النبي صلي الله عليه وسلم قائلا: كيف ترقي رقيك الأنبياء .. يا سماء ماطاولتها سماء. ومنها «القصيدة المصرية في مدح خير البرية» وكذلك لامية بعنوان «ذخر المعاد» وهي علي وزن قصيدة كعب بن زهير التي يقول فيها: أنبئت أن رسول الله أوعدني.. والعفو عند رسول الله مأمول. لكن أشهر قصائد البوصيري علي الإطلاق هي مطولته «البردة» والتي نشرها في ديوانه الوحيد بعنوان «الكواكب الدرية في مدح خير البرية» ومطلعها: أمن تذكر جيران بذي سلم: مزجت دمعاً جري من مقلة بدم. وقد اشتهرت باسم البردة نسبة إلي بردة النبي صلي الله عليه وسلم حيث كان الإمام البوصيري مريضاً لزمن طويل وذات ليلة رأي في منامه النبي يلقي عليه بردة فإذا به يبرأ من سقمه، وحين استيقظ من نومه وجد نفسه معافي بالفعل فانشد هذه القصيدة الطويلة في مدح الرسول صلي الله عليه وسلم مع اشتمالها علي كثير من المواعظ والحكم والقيم التربوية الصالحة لكل زمان ومكان. ولروعة بنائها وجمال ألفاظها وسمو معانيها عارضها كثير من الشعراء وجعلوها بعنوان «نهج البردة» ومن هؤلاء الشعراء حافظ والبارودي وأمير الشعراء أحمد شوقي الذي يقول في مطلع قصيدته: ريم علي القاع بين البان والعلم.. أحل سفك دمي في الأشهر الحرم. توفي البوصيري بالاسكندرية ودفن بها عام 1295 م الموافق 656ه فرحمه الله رحمة واسعة.