شاهدت في قناة الجزيرة فيلما وثائقيا عن الرئيس الراحل أنور السادات بمناسبة حرب أكتوبر بعنوان »السادات البحث عن الذات» بصفته القائد الأعلي للقوات المسلحة. شاهدت الفيلم بتركيز شديد بعد أن لاحظت أن هذا الفيلم ومن بداية التعليق المصاحب للفيلم شبه السادات بصاحب » الأوجه المتعددة » وراح يردد هذا الوصف من البداية إلي النهاية لتأكيد وترسيخ مفهوم الفيلم وهو أن السادات مغامر ونصاب. لأن » الأوجه المتعددة من خلال الفيلم » لا تعني سوي ذلك. الفيلم يحمل كل الكراهية للسادات والتحقير منه بكل الوسائل والسبل من خلال شهادات ولقاءات مع بعض أدعياء الفكر والثقافة والصحافة المصرية. لأن الفكر والبحث العلمي أساسه واحد. هو العدل والحياد في الرأي خاصة إذا كان الأمر يخص الشأن العام أو القضايا الوطنية الكبري ،لأنه دون حياد وعدل في طرح هذه الموضوعات فإن أي عمل كتابا أو فيلما أو دراسة سوف تعتبر نوعا من الدعاية المدمرة التي يطلق عليها في علوم الحرب النفسية (الدعاية السوداء). وهدفها حسب علوم الحرب النفسية في هذه الحالة بث روح اليأس والتشكك لدي العدو »وهو الشعب والجيش المصري في هذه الحالة» وهذا يؤدي إلي إضعاف إرادة الخصم وغرس روح اليأس. والنتيجة أن الطعن في قائد قرار النصر في أكتوبر وتصويره »كصاحب الأوجه المتعددة » هو طعن مباشر في نصر أكتوبر. وطعن في أهم وأكبر إنجاز عسكري حققه الشعب المصري بواسطة أبنائه في القوات المسلحة. الرسالة واضحة ونتائجها سريعة لدي مشاهدة هذا الفيلم. خاصة من الأجيال الجديدة التي عاشت وتعيش في ظل دعاية معادية للسادات ونصر أكتوبر طول الخط طوال عشرات السنين علي مستوي العالم العربي من اتجاه سياسي محدد ساهم في تدمير معنويات هذه الأمة بالتشكيك بنصر أكتوبر ذاته رغم أنه وصف أكبر هزيمة عسكرية في تاريخ مصر وأسوأ هزيمة تعرض لها جيش في التاريخ وفي العالم ونتائجها لاتزال ندفع ثمنها وإلي الأبد بعد ضياع فلسطين كاملة »الضفة الغربية والقدس وغزة بالإضافة إلي الجولان وسيناء » لقد وصف هذه الهزيمة بأنها انتصار لا مثيل له. وفي المقابل نفس الاتجاه السياسي مارس عملية تدمير معنويات شعبه بوصف أكبر وأعظم نصر عربي تحقق في التاريخ المعاصر. بأنه خيانة وأنه تمثيلية. وظل وصف قائد هذا النصر بالخيانة مستمرا طوال أجيال متتالية. بل الصورة بشعة جدا في الدول العربية كلها دون استثناء لقد تم غرس مفهوم أن السادات خائن وأن نصر أكتوبر هزيمة رغم أنهم أساتذة جامعيون وصحفيون مصريون لهم خبرات في الصحافة والإعلام إلا أنهم أساءوا إلي وطنهم. من حقهم إبداء الرأي ولكن ما قاله في الفيلم جريمة متكاملة الأركان. لهذا أقول أن إنجاز حرب أكتوبر بأبسط فهم للوطنية. هو إنجاز »أمه شعب وجيشه». إنجاز تاريخي والسادات هو جندي مسئول عن القيادة لتحقيق النصر وواحد من مليون جندي مصري حققوا النصر. إذن الحرب كانت لتنفيذ لإرادة » أمة». والجندي الذي هو أنور السادات لو كان خائنا لكان عقد اتفاقيات سرية مع العدو والغرب لتأمين مستقبله السياسي في حالة الفشل. وأن يخطط لدفع مظاهرات لبقائه في الحكم وجيشه ينزف دما بين قتيل وجريح في سيناء رغم تدمير وطنه في هزيمة مروعة. السادات الخائن في نظرهم لا يمكنه خوض حرب ولو تمثيلية لأن إسرائيل حالة خاصة وبحكم مهنتي السابقة وثقافتي العملية العميقة في الصراع العربي الإسرائيلي،فإن إسرائيل المنتصرة لم تكن تقبل أي تمثيلية عسكرية ستكون نهايتها إعادة الأراضي المحتلة لأصحابها فهي الأقوي ولولا النصر ما عادت سيناء لمصر. الحرب تجربة إنسانية جسيمة ونتائجها خطيرة علي مستقبل الشعوب. أنا أدين هذا الفيلم وأدين كل من شارك فيه من المصريين باستثناء الأستاذ ناجح إبراهيم ود. عماد أبو غازي. أسأل أي صاحب ضمير لماذا بث الفيلم صورة جثة السادات في المستشفي غارقا في دمائه بإصاباته البالغة ليشاهدها الملايين. أليس ذلك تحقيرا لهذا البطل. أليست هذه الصورة فيها نوع من الشماتة البشعة المجردة من الأخلاق والإنسانية ومن كل دين؟ وفي النصف الأخير من الفيلم ردد المتحدثون الاتهامات للسادات. سباب علني صريح والعجيب أن مخرج ومنتج الفيلم مصري هو »محمد فريد » والأجهزة الفنية وخدمات الإنتاج للفيلم قدمتها مؤسسة كبري ملك الشعب المصري. من المسئول عن هذا الجرم؟ وكيفية وقف هذه الحملات المدمرة لأنها »كرامة أمة»؟.