لا أحد يستطيع أن ينكر أننا نعيش في خضم أحداث ملتهبة ومتعاقبة أيضا من توترات وخلافات سياسية بالإضافة إلي التفجيرات الإرهابية التي لاتنتهي وبالطبع أصابت الكثير من المصريين بحالة من الإحباط وعدم الاستقرار النفسي، لكن البعض وجد الحل لتفادي هذه الاضطرابات النفسية. وأصبح حديثنا يدور حول الأحداث السياسية وكل منا يبدي تعليقاته التي قد تختلف مع الآخرين وكان كل هذا له مردود سيئ علي حياتنا فقد تغيرت طبيعة الإنسان المصري العاشق للحياة أو "ابن نكتة" كما هو معروف عنه ليحل محلها أمراض نفسية دخيلة عليه "كالاكتئاب المزمن"والرغبة في الانتحار وزاد أعداد المدمنين الذين وجدوا ضالتهم في المخدرات ليهربوا إليها بعيدا عما يدور حولهم وانتعشت عيادات الطب النفسي وأصبح أطباؤها لاغني عنهم في كل بيت. وبالطبع فإن الشباب كانوا هم الأكثر تأثرا بتلك التوترات خاصة أن أغلبهم ولد وترعرع في عهد النظام المخلوع وظل طيلة الثلاثين عاما يحلم باسترداد حريته حتي نالوا ماتمنوه وطردوا هذا النظام الغاشم وحلموا بحرية وحياة جديدة إلا أن أحلامهم ذهبت سدي بتولي المعزول الحكم إلا أن إرادتهم كانت أقوي من حكم المرشد واستطاعوا تحقيق إرادتهم الشعبية ولكن ليس كل مايتمناه المرء يدركه فإلي الآن لم تهدأ البلاد ولم يسودها الأمان فالخلايا الإرهابية تعيث في الأرض فسادا وأصبح الشاب يعاني من أمراض نفسية جسيمة فأحلامه تتحطم علي صخرة الإرهاب. كل هذا دفع رضوي سمير (21 عاما) مدربة التانجو للتفكير في الدعوة لاقامة مهرجان شعبي للرقص بجميع أشكاله من صالصا وتانجو ورومبا في أحد شوارع المحروسة تحت مسمي "ترقص؟" ورفعت شعار "معا لنسيان السياسة وهيا لنرقص"الغريب أن الدعوة التي دشنتها علي الفيس بوك لاقت إعجابا وترحيبا من الآلاف من الشباب الذين قرروا حضور المهرجان ونسيان آلامهم وهمومهم. كما تضمن المهرجان الذي أقيم بأحد شوارع الزمالك أمام كلية الفنون الجميلة عروضا مسرحية لفرقة »اسمه إيه لعروض البانتومايم« التي حازت إعجاب وتصفيق الحاضرين بالإضافة الي عزف موسيقي من قبل إحدي فرق الهواة. وبعد نجاح هذا المهرجان نجاحا منقطع النظير قررت رضوي أن تعمم التجربة بجميع محافظات مصر وستبدأها بمدينة الثغر ثم تنطلق الي الصعيد الذي يعاني من مشكلات جمة كالفقر والجهل والإرهاب. »آخرساعة« سلطت الضوء علي هذا المهرجان الحافل الذي تضمن الكثير من المفاجآت والعروض الشيقة، كما رصدنا حالة الفرح التي عمت أرجاء الحي الراقي بمثل هذا المهرجان.كما التقينا بصاحبة الفكرة لنتعرف علي أنواع الرقص اللاتيني المنتشر بمصر؟ وأسباب إقامة المهرجان. ما أن تطأ قدمك أرض مهرجان الرقص بالزمالك حتي تفاجأ بآلاف الحضور الذين قرروا نسيان آلامهم بالرقص بجميع أنواعه خاصة رقصات التانجو والصالصا فتلك الرقصات تتميز بالرقي الروحي كما يساهم في تخفيف حدة التوتر والاكتئاب ناهيك عن تأثيره السحري علي الشريكين ولكن الغريب أنه في ذلك المهرجان لم يعتمد علي رقص الشريكين من رجل وامرأة بل أنه تحول الي رقص فتاتين مع بعضهما البعض أو حتي شابين كل منهما يتمايل علي الأنغام الأرجنتينية كاسرا كل الحواجز والقيود التي خلفتها السياسة علي عقولهم وقلوبهم. ولك أن تعلم أن الدراسات الحديثة أثبتت فاعلية التانجو في علاج أمراض القلب وضغط الدم مما جعل الأرجنتين تقرره كأسلوب علاج بمستشفياتها الكبري فهو يحرك جميع أعضاء الجسم ويعطي شعورا باللياقة البدنية والراحة النفسية. ولم يكن التانجو وحده هو المسيطر علي أجواء الحفل بل أن الصالصا والرومبا قد دخلتا حلبة السباق ولكن بعدد قليل من راقصيها فتلك الرقصات ليست منتشرة بصورة كبيرة في مصر علي الرغم من أنها كانت الأشهر علي الإطلاق في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي خاصة الرومبا فلا تجد فيلما سينمائيا إلا وتتخلله رقصة الرومبا. وامتد الحفل إلي الساعات الأخيرة من النهار ولم يقتصر علي تلك الرقصات الكلاسيكية بل تخلله أيضا عروض عن "البريك دانس"وهو رقص حديث العهد يعتمد علي مزج فن البانتو مايم مع الرقص الاستعراضي وقد قدمه "الشاب :"محمد"أو "حماده "كما يطلق عليه أصدقاؤه وهو فلبيني الأم ومصري الأب ويمتاز بخفة دم عالية وقد شارك في الموسم الأخير لبرنامج "آراب جوت تالنت" وحاز إعجاب الجماهير التي طلبت منه إعادة رقصته مرتين متتاليتين. الرائع حقا هو امتزاج الحضور مع بعضهم البعض فلا تعلم ديانة أي منهم أو هواه السياسي فالكل حضر لينسي متاعبه ويخرج نفسه من حالة الضيق التي يمر بها وبالطبع استطاعت فرقة "اسمه ايه"للبانتومايم أن تحقق المعادلة الصعبة فهذا الفن أصبح وشيكا علي الانقراض ومهددا بأن يصبح في طي النسيان إلا أن ذلك الفريق المكون من اثني عشر شابا قرر خوض غمار المعركة ليبقي هذا الفن حيا بقلوب الشعب وسافر بعضهم إلي البرازيل وأسبانيا ليصقلوا موهبتهم ويدعموها ليعودوا إلي بلادهم مقررين تكوين هذا الفريق الذي اختاروا له اسم "اسمه ايه"لجذب انتباه المشاهدين. واستطاعوا لفت الأنظار وانتشرت شهرتهم سريعا بكل الأرجاء ليسافروا إلي معظم المحافظات ويشتركوا بمهرجانات دولية بالاكوادور والنرويج ويلمع نجمهم ثم يقرروا المشاركة في هذا المهرجان رغبة منهم في تنشيط السياحة وعلاج المصريين من حالة الاكتئاب المسيطر عليهم والتي لم تفلح العقاقير المهدئة من علاجه والتخلص منه. وبعيدا عن هذا الصخب الجماهيري تقف صاحبة الفكرة رضوي سمير لتتابع عن كثب سير المهرجان والفقرات المعروضة وتمسك دفترها لتدون ملاحظاتها علي سير الحفل والعقبات التي تواجه الحضور لتقوم سريعا بحلها. فرضوي فكرت في هذا المهرجان منذ الفترة الثانية في حكم المخلوع وأرادت تنفيذها إلا أن البيروقراطية والروتين عطل مشروعها فقد أرادت أن تخرج الشعب من حالة اللاتوازن التي مروا بها أثناء حكم الجماعة والتي أصابت الكثيرين بالإحباط وجعلتهم ينظرون إلي الحياة بمنظار أسود إلا أن مشكلة استخراج التصاريح اللازمة وقفت عقبة كئود في طريقها. تقول رضوي: منذ أن تولي المخلوع الحكم حتي شعرنا بسطوة حكمه علينا وظهور الكثير من المحاذير والخطوط الحمراء مما هدد حرية الإعلام والفنون بشتي أنواعها بالإضافة لارتفاع الأسعار المبالغ فيها والتي جعلت الكثيرين يصابون بالاكتئاب والإحباط بعد أن أملنا في حدوث انفراجة بعد رحيل مبارك ولكن أحلامنا تحطمت علي صخرة من الأوهام فشعرت بضرورة التصدي لتلك المشاعر السلبية فقررت ابتكار فكرة مهرجان شعبي يعتمد علي الرقص بجميع أشكاله وعروض أخري يكون الشارع هو مأواها لنشرك جميع الطبقات في هذا الحفل وحتي لايقتصر علي طبقة بعينها دون الأخري. وتضيف رضوي: عرضت الفكرة علي بعض أصدقائي الذين أعجبتهم الفكرة وقرروا الاشتراك فيها إلا أن عقبات كثيرة واجهتني أولها استخراج التصاريح اللازمة للإقامة بالإضافة لانشغال الكثيرين بالسياسة وأحداثها المتتابعة ولكن بعد رحيل المعزول قررت تنفيذها مهما اقتضي الأمر وقمنا بنشر الفكرة عن طريق الفيس بوك تحت شعار"ترقص؟"وبمجرد نشر الفكرة حتي وجدنا آلاف التعليقات المتحمسة لتنفيذ الفكرة فقمنا بتنفيذها علي أرض الواقع واخترنا حي الزمالك ليكون مقرا للاحتفال وبالتحديد أمام كلية الفنون الجميلة مستعينين ببعض البودي جاردات الذين جلبناهم خصيصا من الصالات الرياضية. وتختتم رضوي حديثها قائلة:وقد لمسنا مدي نجاح الفكرة بالقاهرة فقررنا نقلها إلي محافظات أخري أولها الاسكندرية ثم إلي محافظات الصعيد التي تعاني الفقر والجهل والمرض الذي أثر علي حياة الصعايدة وجعلهم يشعرون بالاكتئاب والاحباط. انتقلنا للحديث مع الحضور الذين عمت الفرحة قلوبهم وأحال وجوههم العابسة إلي وجوه مشرقة خاصة أن أغلبهم طلابا بكلية الفنون الجميلة وعلي الرغم من كونها كلية تعتمد علي الإبداع والأمل إلا أن الظروف التي تمر بها البلاد والتي لانعلم متي تنتهي وحتي يعم الاستقرار بلادنا جعلتهم يفكرون تفكيرا عميقا في الغد وشكل مستقبلهم. تقول رؤي توفيق 20عاما: تمر مصر بحالة من عدم الاستقرار جعلت الكثير من الاستثمارات تغادر أرضها بالإضافة إلي ركود السياحة مما هدد اقتصاد البلاد بالإضافة إلي ارتفاع نسب البطالة والفقر جعلنا نخاف من الغد ولا نستطيع تحديد مستقبلنا فأصيب الكثير منا بالإحباط والاكتئاب ولكن استطاع مهرجان"ترقص"من تحقيق ماعجزت عنه تصريحات المسئولين من تعافي الاقتصاد في المرحلة المقبلة والقضاء علي البطالة. فالمهرجان أخرجنا من حالة الاكتئاب وجعلنا نشعر أننا كيان واحد لا فرق بين مسلم أو مسيحي فكلنا في الهم واحد كما مكننا من التعرف علي بعض المواهب الشابة التي لم نكن نعرفها مما جعلنا نلتصق أكثر ونفكر في سبل للخروج من الأزمات المحيطة بنا.