دعاية مبكرة.. جولات على دواوين القبائل والعائلات لكسب التأييد    تسليم أجهزة برايل حديثة لطلاب مدرسة النور للمكفوفين في المنيا    معدلات تنفيذ شقق مشروع "ديارنا" للإسكان المتوسط بالعاشر من رمضان    موعد صرف المعاشات لشهر نوفمبر فى أسيوط    أقوى إعصار في تاريخ المحيط الأطلسي، ميليسا يضرب جامايكا بلا رحمة (فيديو)    تعرف على الفرق المتأهلة لربع نهائي دوري مرتبط السلة للرجال    بروسيا دورتموند يعبر آينتراخت بصعوبة في كأس ألمانيا    رابطة الأندية: من المستحيل تأجيل مباريات الدوري المصري    اندلاع حريق بأحد المطاعم في أبنوب بأسيوط    القليوبية: مقتل شاب على يد آخر بسبب معاكسة الفتيات في منطقة الفلل ببنها    رئيس المتحف المصري الكبير: نضع اللمسات الأخيرة لأكبر حدث ثقافي.. سنبهر العالم    باسم يوسف ل كلمة أخيرة: ما يحدث بين أمريكا وإسرائيل توزيع أدوار    كلها من مطبخك، وصفات طبيعية لتخفيف ألم المفاصل    محمد سامي يكشف السبب وراء عودته عن قرار اعتزال الإخراج    أخبار كفر الشيخ اليوم.. كشف لغز العثور على جثمان مقاول    لميس الحديدي: الخطيب أثبت أن الأهلي يدار بالخبرة والحوكمة    هيئة الدواء المصرية تبحث مع شركة «وقاية» الإماراتية تعزيز منظومة إدارة المخلفات الطبية والدوائية    وزيرا خارجية الصين وكازاخستان يبحثان تعزيز التعاون الثنائي    مجلس الوزراء يطلق مشروعات طاقة متجددة في مختلف مناطق المملكة باستثمارات تتجاوز 9 مليارات ريال    إعصار ميليسا يضرب اليابسة في جامايكا كعاصفة من الفئة الخامسة    محافظ البحر الأحمر: معدلات السياحة مرتفعة.. و150 شاشة بالمنشآت تنقل افتتاح المتحف الكبير    فى ذكرى رحيله.. غانم السعيد: طه حسين لم يكن مجرد كاتب بل مشروع نهضة متكامل    رئيس جهاز حدائق العاصمة: 4000 أسرة مقيمة بالكامل.. وبدء ترفيق منطقة البوليفارد الترفيهية    الصحة: فحص أكثر من 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    قبل يومين من عرضه.. زينة تنهي تصوير مسلسل ورد وشوكولاتة    أمين الفتوى: زكاة الذهب واجبة فى هذه الحالة    "مطروح للنقاش" يناقش إعلان ترامب رغبته لقاء زعيم كوريا الشمالية    بحضور وزير والرياضة، عمر هشام يعلن انطلاق بطولة مصر المفتوحة للجولف 2025 بملاعب مدينتي    عنف التلامذة!    رئيس المؤسسة العلاجية في جوله تفقديه بمستشفي هليوبوليس    اتخاذ إجراءات ضد استخدام الهاتف المحمول.. وكيل تعليمية قنا يتفقد مدارس نقادة بقنا    ما هو سيد الأحاديث؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح أعظم حديث يعرّف العبد بربه    خالد الجندي: «الله يدبر الكون بالعدل المطلق.. لا ظلم عنده أبداً»    التحالف الوطني يستمر فى تدفق شاحنات الدعم الإغاثى إلى قطاع غزة.. صور    "فتح": الإجماع على تنفيذ اتفاق شرم الشيخ خطوة استراتيجية    متحدث الوزراء: 40 رئيسا وملكا ورئيس حكومة يشاركون بافتتاح المتحف الكبير    أذكار المساء: أدعية تمحو الذنوب وتغفر لك (اغتنمها الآن)    شوبير ينفي تلقي داري عرضا من ليبيا ويكشف موقف الأهلي من مستقبله    قبل الشتاء.. 7 عادات بسيطة تقوّي مناعتك وتحميك من نزلات البرد والإنفلونزا    رسميًا مواعيد المترو بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 2026 بالخطوط الثلاثة    محمد عمر: الأهلي والزمالك لن يعترضا علي تأجيل مباريات بيراميدز    رسميًا| مجلس الوزراء يعلن بدء التوقيت الشتوي اعتبارًا من الجمعة الأخيرة بالشهر الجاري    عون يؤكد ضرورة وقف الخروقات الإسرائيلية المستمرة على لبنان    رؤية نقيب الصحفيين للارتقاء بالمهنة في ظل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي    افتتاح المبنى الإداري الجديد لكلية الهندسة جامعة الأزهر في قنا    زلزال سينديرجي يعيد للأذهان كارثة كهرمان مرعش في تركيا.. تفاصيل    قوافل جامعة قناة السويس تتوجه إلى قرية أم عزام لتقديم خدمات طبية    نجم اتحاد جدة السابق يضع روشتة حسم الكلاسيكو أمام النصر    الطائفة الإنجيلية: التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية يعكس حضارة مصر    حملات أمنية مكبرة بكافة قطاعات العاصمة.. صور    ضمن «صحح مفاهيمك».. واعظات «الأوقاف» يقدمن لقاءات توعوية لمكافحة العنف ضد الأطفال بشمال سيناء    وزيرة التخطيط: تهيئة بيئة الاستثمار لتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص    اعترافات صادمة لقاتل مقاول كفر الشيخ.. أمه غسلت هدومه من دم الضحية    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلال فضل يكتب : تنييل ملف النيل!
نشر في أخبار النهاردة يوم 10 - 06 - 2013

2 تعال نلعب لعبة حزينة. وأنت تقرأ الفقرة التالية حاول أن تتخيل التاريخ الذي كُتبت فيه ضمن يوميات الدكتور بطرس غالي: «عصام منتصر مدير معهد التخطيط في داكار يُعِدُّ دراسة عن حوض النيل، لكن وزارة الري المصرية تعادي هذا المشروع، فهي لا تقدم له أية مساعدة ولا أية معلومات يحتاجها، أشعر بالإحباط الشديد، لأن مشكلة المياه لا تهم لا الحكومة ولا الرأي العام المصري ولا حتى الفنيين في وزارة الري الذين لا يهتمون إلا بالمشاكل الآتية ويعجزون عن التخطيط للمستقبل...
الدول الأفريقية بما فيها السودان ترتاب في المشاريع المصرية الخاصة بحوض نهر النيل، لكن المسئولية لا تقع عليهم بالكامل. فقد بنينا السد العالي دون استشارتهم، إننا نعتمد على الإتفاقيات والمعاهدات التي وقٍّعت عندما كانت كل هذه الدول خاضعة للإستعمار القديم، وفي الوقت نفسه فإننا نرفض تعديل هذه الإتفاقيات وينجعلها تساير الأوضاع الجديدة في تلك الدول.
إننا ما نزال نعتقد بأن النيل ومصر هما شيئ واحد». هل تخيلت تاريخ كتابة الفقرة؟، هل توقعت أنها كتبت بتاريخ 29 ديسمبر 1983 في وقت لم يكن يدرك حتى الذي كتبها أنه بعد عشرين عاما فقط سيصبح الكابوس الذي حذر منه واقعا حزينا تعيشه مصر ومستقبلا مخيفا يتهددها؟.
ما يحزنك أكثر أن بطرس غالي لم يكن يكتب كلماته هذه ليفضفض مع نفسه مخفيا رؤيته عن رؤسائه، ففي يومياته التي يضمها كتابه (بين القدس والنيل) ستجد عشرات المواضع التي يروي فيها محاولاته لإقناع كل من حوله بضرورة إعطاء ملف نهر النيل الأولوية القصوى في السياسة الخارجية المصرية، خذ عندك مثلا ما قاله في محاضرة ألقاها في 26 ديسمبر 1983 بأكاديمية ناصر العسكرية «مشكلة السودان ودول حوض النيل يجب أن تكون محور سياستنا الخارجية..إنه لخطأ جسيم أن نهمل علاقتنا بهذه البلاد خصوصا أن مشكلة المياه ستزداد خطورة في السنوات المقبلة.
من السهل أن نحشد الرأي العام المصري حول المشكلة الفلسطينية.. لكن على العكس من ذلك فمن الصعب جدا أن نجعل الرأي العام المصري يهتم بثمان دول أفريقية نتقاسم معها مياه النيل، كما أنه من السهل جدا إقناع المصريين بأن نهر النيل هو جزء من تراثهم وأنه ملكهم، ولكننا بذلك ننسى أن منابع النيل ملك لستة دول أفريقية أخرى وأن الزراعة المصرية تعتمد تماما على مياه نهر النيل، كما ننسى أيضا أن دول المنبع وإن كانت لا تحتاج هذه المياه لزراعة أراضيها بعد، فإن الوضع سيتغير بسرعة شديدة بسبب الإنفجار السكاني في تلك الدول».
في 4 يناير 1983 يكتب غالي «لقد أهملنا السودان طويلا، خصوصا جنوب السودان، ولو كنا قد اهتممنا بإقامة وحدة حقيقية بين القاهرة والخرطوم بدلا من تلك الوحدة التي لم تدم طويلا مع سوريا، لكنا قد أقمنا أكبر قوة قد تمتد من ساحل البحر المتوسط حتى قلب أفريقيا، وأنا لا أريد التقليل من أهمية المشاكل الحساسة التي كانت ستنشأ من جراء مثل تلك الوحدة لكن كانت ستنشأ دولة ذات أبعاد قارية مثل الهند والبرازيل والصين، فهذه الدول هي التي ستُهيمن في العقود القادمة».
وفي يوليو 1983 يطرح غالي رؤيته هذه على إجتماع وزاري للجنة الشئون الخارجية في الحزب الوطني، لكن رؤيته جاءت مخالفة لما طرحه وزير الخارجية «الفريق» كمال حسن علي الذي رأى أن الأولوية المطلقة يجب أن تكون للعالم العربي، وكما يقول غالي معلقا بأسف «فإنه لم يلحظ أحد من الحاضرين مطلقا وجود هذا الإختلاف التام في وجهتي نظر الوزيرين المسئولين عن سياسة مصر الخارجية...
مصير مصر مرتبط تماما بالمأساة الفلسطينية التي تهز العالم العربي مثلما هو مرتبط بالقضايا الخاصة بالسودان ودول حوض النيل وإذا توافرت لدينا الإمكانات وبالأحرى لو توافرت لدينا الإرادة السياسية فستستطيع مصر أن تتواجد بقوة على الجبهتين معا وفي وقت واحد»، لكن مبارك ومن معه كما تعلم لم يلتفتوا لرؤية غالي، وفضلوا التواجد على جبهة العالم العربي لأنها مليئة بالمنح والمساعدات والقروض، على عكس جبهة أفريقيا المليئة بالمشاكل والفقر والأزمات، فلم ينُبنا في النهاية بسبب قصور الرؤية وغياب الإرادة السياسية سوى خيبة الأمل على جميع الجبهات.
في 7 فبراير 1984 يروي بطرس غالي تفاصيل حضوره لإجتماع رسمي بين مبارك والنميري وكبار مساعديهما قائلا «حاولت بلا جدوى الإشارة إلى مشكلة حوض النيل، يبدو أن الجميع مقتنعون بأن نهر النيل هو نهر مصري سوداني فقط وأن كون النيل ينبع من خارج بلدينا لا يُغيِّر شيئا من حق مصر والسودان المطلق في استخدام مياهه لري زراعاتهما، كما بدا هناك اقتناع بأن دول المنبع تعتمد حتى الآن على مياه الأمطار، وليس لديها من الأسباب ما يدعو لتغيير نمط الري الذي تتبعه، هذا المفهوم يتسم بقصر النظر وهو مُحبط للغاية، كما أنه يُعرضنا لمخاطر شديدة جدا في المستقبل».
سيفسر لك حماس مبارك والنميري لهذه الرؤية الخاطئة أنها كانت الرؤية التي تتبناها أمريكا رسميا، ففي اجتماع حضره بطرس غالي مع سفيري أمريكا وبريطانيا بتاريخ 21 فبراير 1984، سخر السفيران اللذين تحدثا معه كصديق من هوسه بأزمة مياه النيل معتبرين أن ذلك «وسواس قهري أصاب بطرس الأفريقي فدول المنبع معتمدة على مياه الأمطار» ومؤكدين له أن أفريقيا لن يحدث فيها شيئ هام في العقود القريبة المقبلة باستثناء نشوب حروب قبلية واستمرار التخلف المزمن، وهي كما تلاحظ نفس الرؤية «المنيٍّلة» التي اعتمدها مبارك لإدارة ملف النيل بطريقة أوصلتنا إلى النيلة التي نعيشها الآن.
تقرأ كل هذه الوقائع الحزينة بعد مرور كل هذه السنين على حدوثها، فيتضاعف حزنك لأننا لم نغير حتى الآن طريقتنا في التعامل مع أفريقيا ودول حوض النيل، وأننا لم نكتشف أن كل أسباب مآسينا تتلخص في عبارة واحدة كان ينبغي أن نضعها حلقة في آذاننا «من غياب إرادتكم السياسية سُلِّط عليكم».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.