لا يوجد مصرى ينتمى إلى الثورة ويدرك المعلن والخفى من التآمر عليها يختلف مع ضرورة توحيد واجتماع القوى الوطنية. والأسبوع الماضى كان عنوان مقالى «وحّدوا الصفوف على مرشح للثورة» ينضم إليه مجلس رئاسى من المرشحين الممثلين للثورة.. ولكن الدعوة إلى توحيد القوى الوطنية تحولت إلى مبادرة للحوار أطلقها د.البرادعى والمرشد، والمشكلة أننا لم نتوقف عن الحوارات تحت جميع التسميات، ومع ذلك وصل المشهد الوطنى إلى الحال البائس الذى وصل إليه، وهل كان يجب أن ننتظر أن يصبح التآمر على المكشوف إلى حد تقدم نائب الرئيس المخلوع للترشح لرئاسة مصر؟! هل تَبقّى متسع للحوار بينما حلقات التآمر تتسارع وتتكشف؟ هل هناك خلاف حول النقاط المصيرية التى يجب أن تلتقى حولها القوى الوطنية وأولاها إنقاذ ما تبقى من الثورة ومن استكمال حلقات التآمر عليها؟ وحتى كتابة هذه السطور يبدو الباب موارَبا ولم يُغلَق نهائيا فى وجه مرشَّح النظام الذى أسقطته الثورة ويتكشف حجم النفوذ الهائل لمؤسسة الرئاسة التى لم تسقط وتدبّر موقعة استرداد حكم مصر وبما يجعل مرشحهم يعلن فى حوار مع الأستاذ عادل حمودة بجريدة «الفجر»: «أنا مش درويش.. لكن تجميع 49 ألف توكيل فى 24 ساعة معجزة وتسهيل ربّانى»، بينما ينتشر بين المصريين أخبار عن وقائع مر بها جيران وأقارب، كيف أدارت مؤسسات رسمية جمع هذه التوكيلات! ما أريد أن أصل إليه أن التآمر على الثورة انتقل من البعد الثالث والطرف واللهو الخفى إلى التآمر المكشوف وإسقاط الأقنعة.. فاللهو علنى والوجوه مكشوفة والادعاءات تسخر من المصريين وتمعن فى إهانتهم.. النظام الذى أسقطته الثورة عائد لحماية الثورة وإعادة هيبة الدولة! كأنه كانت هناك دولة، وكانت هناك هيبة! ولكن مَن يحاسب مَن؟! والسؤال الذى يجب أن تطلب القوى الوطنية من المجلس العسكرى إجابة له وبعيدا عن مهاترات وصراعات إصدار أو عدم إصدار قانون للعزل السياسى -رغم وجود قانون سارٍ للغدر منذ عام 1952- الأسئة التى تنتظر إجابات هى: - هل توجد ثورة بلا تشريع وقوانين تحميها من كل مَن تضرروا منها ومن أعدائها فى الداخل والخارج؟ وهل ما ارتُكب من جرائم وسال من دماء وسقط من شهداء وسُحل وتم القبض عليهم من شباب كان من أجل حماية الثورة أم حلقات من مخططات القضاء عليها؟ - هل يعتبرونه أمرا طبيعيا ووطنيا أن يُسمح لمن أسقطتهم الثورة أن يعودا لقيادتها أو لاستكمال القضاء عليها؟! - هل النظام الذى أسقطته الثورة من حقه أن يحتفظ بجميع ملفات الدولة والحكم التى تفسر وتكشف أسرار أكثر من ثلاثين عاما من تاريخ مصر أنها جزء من أدوات الترويع والترهيب المجهزة للسنوات القادمة؟! المؤكد أنها لإخفاء ما ارتُكب من جرائم ونهب وتدمير يخفيها كل من له مصلحة فى إخفائها! ■ أهدت الثورة للإخوان المسلمين درسا متجددا، أن تتقدم المصالح الكلية للوطن على المصالح الخاصة للجماعة. تَغيّر الزمن وأصبحت الديمقراطية وتداوُل السلطة إكسير الحياة للجميع يتقدمها السيادة للشعب لا للجماعة، أى جماعة، وكنت مع كثيرين كانت دعوتهم أن تتسع مصر بعد الثورة لمشاركة جميع الأطياف والقوى السياسية، ويُلح علىّ سؤال للمرشد: هل كان يبادر بدعوته لحوار لجمع شمل القوى الوطنية إذا مضت وبلا مشكلات مسيرة انفراد الإخوان بالسلطة وبالتأسيسية للدستور كما أرادوها قبل قرار القضاء الإدارى بحلها وبوجود التهديدات بعدم شرعية البرلمان؟! أرجو أن يسارع البرلمان لمراجعة قوانين المراسيم التى صدرت ملغَّمة بعدم الدستورية! ■ صِدق الجماعة فى تصحيح مواقفها من الثورة والثوار يملى عليها الاعتذار والاعتراف بما يعرفون أنه نكوص عن المشاركة والحماية الواجبتين، وأيضا فإثبات عدم الرغبة فى الانفراد بالسلطة يفرض عليهم الوفاء بما وعدوا من عدم الترشح للرئاسة وأن يشاركوا فى دعوة المصريين للخروج لاختيار المرشح الذى تجمع عليه قوى الثورة. ■ مبادرة المرشد ود.البرادعى لحوار وطنى سبق إليها منذ قيام الثورة أغلب القوى والتيارات السياسية وعطلتها، الرؤى الضيقة والمصالح الخاصة، وسمحت للثورة المضادة بالتوحش والاستقواء وارتكاب كل ما ارتُكبت وما زالت لتصفية الثورة وصولا إلى الترشح للرئاسة، وإمعانا فى ضبابية واضطراب المشهد السياسى يطلق المشير الآن دعوة «الدستور أولا»، الدعوة التى وصل الأمر إلى حد تكفير أصحابها منذ استفتاء مارس المشؤوم فى 2011، كيف الآن -الثلث الأخير من أبريل، وقد بدأت انتخابات الرئاسة بالفعل- يتم إنجاز الدستور فى أقل من شهر؟ كيف يُعَدّ دستور يليق بمصر وبهموم شعبها وجميع القضايا المصيرية لجميع المكونات والخلايا الحية لهذا الشعب فى ما لم يعد باقيا من زمن لإعداده؟! حلقات التآمر على الحاضر والمستقبل لا تتوقف، وكل ما يحدث يقود إلى المطلب الأخطر والأكثر أهمية، وضرورة الآن توحيد القوى الوطنية وراء سرعة إنجاز للفترة الانتقالية ومسارعة البرلمان بجميع قواه وأطيافه السياسية إلى التشريعات والقوانين التى توقف مخططات التآمر على الثورة وخصوصا بعد أن انتقلت من السرية إلى العلنية، وأن تتوحد القوى الوطنية والثورية لدعم مرشح رئاسية ينتمى إلى الثورة وإلى مسيرة نضال ومقاومة للفساد والاستبداد وألا يكون مطعون عليه بأى نسب للنظام الساقط، وكذلك دعم مجلس رئاسى من مجموع المرشحين الذين لهم نفس الانتماءات الثورية والوطنية. ■ أكتب هذه السطور مساء الإثنين، صباح الثلاثاء، الموعد المقرر لبدء محاكمة المتهمين فى المجزرة التى ارتُكبت فى استاد بورسعيد والتى كانت بجميع الشواهد التى يراها الأعمى قبل المبصر والتى أثبتها أغلب لجان تقصى الحقائق، مدبَّرة ومخططة وحلقة من حلقات التآمر على الثورة وإشعال نيران الفتن الدينية وحروب المدن والعصابات بين أبناء مصر.. وأدعو الله أن يهيئ للمحاكمة قضاة أمناء ممن تفيض بهم مؤسسة العدالة المحترمة، قضاة وطنيين يدركون الأبعاد السياسية والتآمرية للمجزرة البشعة ويثأرون لدماء الشهداء ممن خططوا ومولوا ودبروا وقادوا ونفذوا وهيؤوا لوقوع المجزرة. احذروا وانتبهوا وقفوا التدابير المخططة لمجزرة جديدة إذا لم يتم القصاص من القتلة والفاعلين الأصليين الذين لم يكشف عنهم منذ موقعة الجمل، ومذبحة ماسبيرو، وما حدث فى محمد محمود، ومجلس الوزراء، والذين يتقدمون الآن بوجوه مكشوفة لاستكمال المجازر وتصفية الثوار والثورة من مقاعد الرئاسة. المهمة والتحدى الأكبر أمام القوى الوطنية بمختلف أطيافها وتوجهاتها مواجهة انتقال التآمر من اللعب والتخطيط فى الظلام إلى العلنية.. وانتظروا تصاعُد الفوضى الخلاّقة وحلقة جديدة من حلقات تفجير وحرق مصر وحريق بترول السويس وخط الغاز 14 مرة تمارين متواضعة ليصبح انتهاء المرحلة الانتقالية مستحيلا، خصوصا أنه يتكرر فى الأيام الأخيرة الرغبات الحارة فى الانتهاء منها!