ألقت جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة بصخرة ضخمة فى بحيرة الانتخابات الرياسية لتعيد ترتيب الأوراق فيها بما يحقق أهدافها فى الوصول إلى السلطة كاملة، فأعلنت ترشيح خيرت الشاطر لخوض معركة انتخابات الرياسة.. وتراجعت بذلك عن تأكيدات سابقة بعدم ترشيح أحد أعضائها للرياسة، مما كان سببا فى فصل القيادى المعروف وأحد الكوادر القديمة فى الإخوان الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، الذى أعلن نيته للترشح على غير إرادة الجماعة فكان نصيبه الفصل منها. وليست هذه هى المرة الأولى التى تنكث الجماعة بوعودها. فقد سبق أن أعلنت التزامها بعدم الترشح فى الانتخابات للمنافسة على أكثر من الثلث، وابتلعت وعودها حين زاد عدد المقاعد على الثلثين. ثم تكررت نزعة الاستحواذ فى تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، واستغلت الجماعة أغلبيتها العددية فى مجلسى الشعب والشورى لتستأثر بتشكيل اللجنة.. الأمر الذى أفضى إلى انهيار أركانها بانسحاب ممثلى الأزهر والمحكمة الدستورية العليا ونحو 25 عضوا من الأحزاب المدنية. من الواضح أن الجشع السياسى الذى ألم بقيادات الإخوان قد خلق حالة من الارتباك، وأدخل التجربة الديمقراطية فى نفق من المهاترات والمغالطات والشكوك والمراجعات. وأفقد الشعب ثقته فى نظام يتخبط على غير هدى. وذلك كله بحجة أن المجلس العسكرى رفض مطالب الحرية والعدالة بإقالة حكومة الجنزورى.. فجاء الرد من جانب الإخوان بإعلان ترشيح الشاطر والنكوص عن الوعود السابقة! إن الطريقة الملتوية التى يتعامل بها حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان مع المعطيات السياسية التى تحكم الموقف، تطرح أسئلة كثيرة حول إسلوب التعامل الإخوانى فى دنيا السياسة.. فهل كانت فكرة ترشيح الشاطر مضمرة منذ البداية حتى يتم إعلانها فى الوقت المناسب؟ وهل كان إصرار عبدالمنعم أبوالفتوح على الترشح رغما عن إرادة الجماعة وما ناله من تأييد فى صفوف الجماعة وخارجها هو السبب والدافع إلى ترشيح الشاطر قبل خمسة أيام من إغلاق باب الترشح؟ أم أن سكرة النجاح وصعود الأغلبية البرلمانية على سلم الحياة السياسية هو الذى أغرى بالمضى فى الطريق إلى نهايته؟.. إذ ما معنى الاكتفاء بنفوذ الأغلبية البرلمانية فى الشعب والشورى، بينما يظل منصب الرئيس بعيدا عن أيديهم ولا سلطان عليه؟! فى النظم الديمقراطية تقوم نظم الحكم على أساس توزيع السلطات وتوازنها وعدم تركيزها فى يد حزب واحد أو مجلس واحد أو شخص واحد.. ولكن ما يحدث الآن فى مصر من تطورات سياسية يتجه تدريجيا إلى تركيز معظم الصلاحيات والسلطات فى يد حزب الحرية والعدالة.. فحين يصبح الرئيس من الإخوان المسلمين، والأغلبية البرلمانية فى الشورى والشعب للإخوان المسلمين، والسلطة التنفيذية ممثلة فى مجلس الوزراء من الإخوان المسلمين والجمعية التأسيسية من الإخوان المسلمين فلن يمضى وقت طويل حتى ىصبح المحافظون والحكم المحلى بدوره تابعا للإخوان ولحزب الحرية والعدالة. نحن الآن فى مصر نجد أنفسنا أمام مشهد بالغ الغرابة.. وفى وضع لا نحسد عليه بين شقى الرحى.. خيرت الشاطر والإخوان من ناحية، وحازم أبوإسماعيل والسلفيين من ناحية أخرى. وحين يعلن أبوإسماعيل الذى حظى ب120 ألف توكيل وتأييد 43 نائبا سلفيا، أنه لن يختار نائبا قبطيا أو يساريا أو يمينيا أو عسكريا، فلا أحد يعرف كيف سيكون شكل الحكم والحكام فى مصر خلال السنة المقبلة؟ وبينما يكاد معظم مرشحى الرياسة المحتملين يكشفون عن آرائهم ومواقفهم واتجاهاتهم، فإن الشاطر هو الوحيد من المحتملين الذى يأتى من صندوق أسود لا يعرف أحد ما بداخله.. نعم هو «بيزنس مان» أو رجل أعمال درجة أولى كما قالت سيرة حياته الرسمية، خرج من السجن قبل وقت قصير وأصدر المجلس العسكرى عفوا عنه. ولكن أحدا لم يقرأ أفكاره ولم يشارك فى مناقشته ولم تقوده الحملات الانتخابية كما قادت غيره إلى الاختلاط مع الناس. وقيل إنه كتب فى بعض صحف أجنبية جانبا من آرائه وأفكاره. ولكن كل رصيده من الشعبية فى مصر أنه مرشح الإخوان المسلمين للرياسة. لقد تخلى المجلس العسكرى عن كثير مما كان يتحتم أن ينهض به.. واتخذ معظم ممثلى الأحزاب من القوى المدنية والمستقلين مواقف مائعة تمسك العصا من الوسط وتقدم رجلا وتؤخر أخرى، تاركة زمام الأمور لحكم الأغلبية من الحرية والعدالة. واسأل من حولك ممن تعرف أو لا تعرف إلى أين نحن سائرون، فلن يدلك أحد على الطريق!