المشهد الأول: قال لى رئيس أحد أحزاب المقعد الواحد فى البرلمان إن الهيئة البرلمانية للحزب ستجتمع خلال أيام للمفاضلة بين ستة عروض تقدم بها ستة مرشحين محتملين للرئاسة للترشح باسم الحزب، مقابل تقديم دعم مادى (مليونى) للحزب وجريدته، ويمكننى التقدم بعرض سابع معهم.. واختلط الأمر علىّ.. هل هذا الحزب يتبع قانون مباشرة الحقوق السياسية أم قانون المناقصات والمزايدات؟! المشهد الثانى: تلقى أحد المقربين منى اتصالا من أحد (المواطنين) قال إنه يشعر أن صاحبكم (أى العبد لله) بتاع ربنا وهو متعاطف معى، ولذلك يعرض توفير التوكيلات بعشرين جنيها فقط للتوكيل الواحد. فسأله صديقى ساخرا «هل الحرام يبدأ من عشرين جنيها، وما دون ذلك هو من اللمم الذى يتجاوز الله عنه؟». المشهد الثالث: مكالمات لا تنقطع يوميا من مواطنين يشكون مما يتعرضون له فى مكاتب الشهر العقارى من منع ومضايقات وتربيطات بل وإهانات أحيانا من مندوبى ومؤيدى بعض المرشحين، الذين يتم شحنهم بالأوتوبيسات. وردى على الجميع واحد لم يتغير «لا عليكم.. إذا استطعتم أن توكلونى دون إهانة أو مشقة أو رشوة فأهلا.. وإلا فلا داعى، ويكفينى محبتكم ودعاؤكم». المشهد الرابع: النصائح تنهال علىّ عن الذى يجب علىّ قوله وفعله وما الذى يجب علىّ أن لا أقوله أو أفعله، بغض النظر عن اقتناعى أو عدم اقتناعى به.. وأكاد أختنق مما يطلبونه منى.. هل لا بد لى من اصطحاب مصورٍ فى كل تحركاتى العادية لإثبات أننى واحد من الناس آكل الطعام وأمشى فى الأسواق؟ نفسى تعافُ ذلك ولا أطيقه.. فما الذى يجبرنى عليه؟ هل لا بد لى أن أريق ماء وجهى على أبواب بعض الأحزاب بحثا عن تأييدهم حتى ولو كنت مختلفا معهم؟ لماذا؟ وما الثمن؟ نفسى تعاف ذلك ولا أطيقه.. فما الذى يجبرنى عليه؟ هل لا بد لى أن أنافق الجميع وأدلل الجميع ولا أفصح عن إدانتى لتصرفات بعض من ينسبون أنفسهم إلى الثورة؟ لماذا؟ وما الثمن؟ نفسى تعاف ذلك ولا أطيقه.. فما الذى يجبرنى عليه؟ هل لا بد لى من تأييد أى احتجاج والانضمام إلى أى اعتصام حتى ولو كانت مطالبه غير مشروعة ووسائله بلطجة؟ نفسى تعاف ذلك ولا أطيقه.. فما الذى يجبرنى عليه؟ إن اللجنة العليا للانتخابات لجنة قضائية محترمة ولكن مهمتها إدارية بحتة.. كان لا بد لها من الاستعانة بخبرة إدارية محترفة تبدأ عملها للتيسير على الجميع وميكنة عملية توثيق التوكيلات منذ أكثر من ستة أشهر على الأقل بدلا من التخبط الإدارى الذى أوصلتنا إليه.. هناك ثلاثة طرق لحشد التوكيلات الرئاسية: الحشد بالمال والحشد الطائفى والحشد بالمحبة.. وللأسف فإن إجراءات اللجنة العليا أفسحت الساحة للمال والطائفية ولم تدع مجالا للمحبة.. قد يحبك كثيرون، ولكن مَن منهم على استعداد لتكبد مشقة الذهاب إلى الشهر العقارى (وهو مشوار ثقيل أصلا) والوقوف فى طابور متحملا احتكاكات ومضايقات مندوبى بعض المرشحين، وكيف يعرف مواطن عادى الرقم القومى لمرشحه (أحيانا يطلب الموظف صورة الرقم القومى!) فإذا اجتاز كل هذه الموانع فمِن أين له عنوانك ليرسل لك التوكيل لتحمله ضمن ثلاثين ألف ورقة توكيل وتذهب بها إلى اللجنة العليا؟!! يحدث هذا سنة 2012 والكمبيوتر فى كل بيت مصرى تقريبا!! المشهد الأخير: طلب منى أحد الأحباب أن أسمح له بتمويل الحصول على عدد كبير من التوكيلات من محافظته على حسابه، واعتبار ذلك مساهمة منه فى تمويل حملتى.. فرفضت طبعا وقلت له يا أخى هذه أصوات حرام، ولأن ألقى الله مهزوما فى الانتخابات (أو غيرها) أحب إلى من أن ألقاه راشيا أو مزورا أو منافقا. أنا متعجب مما يحدث.. لقد تقدمت (وغيرى) للترشح للرئاسة كنوع من الجهاد فى سبيل الوطن وليس بحثا عن غنيمة أو جاه (ما الميزة فى أن ترأس مصر حاليا؟)، فإذا بالإجراءات تجرفنا إلى منزلق لا يليق بنبل الغاية.. إن منصب رئيس مصر بعد الثورة منصب جليل طاهر، فكيف نقبل أن يكون الوصول إليه عبر مستنقع؟ وما الثمن؟ منصب الرئاسة؟ يا له من ثمن قليل.. فهل نشترى بعهد الله ثمنا قليلا؟