«غزة ستواجه كارثة محققة فى كل المجالات بحلول العام 2020 إذا لم يتم إنهاء الاحتلال والحصار، والتدخل العاجل لإنقاذ قطاعات الخدمات المختلفة من التدهور والانهيار المتوقع». قال ماكسويل جيرالد، ممثل الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية فى الأراضى الفلسطينية. وكان جيرالد يتحدث خلال مؤتمر صحفى عقدته وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» فى غزة، بحضور ممثلين عن منظمات الأممالمتحدة العاملة فى قطاع غزة، لنشر دراسة أعدتها الأممالمتحدة عن الوضع فى غزة بحلول عام 2020، بعنوان «هل غزة مكان قابل للحياة فى عام 2020؟». يصف خبراء استراتيجيون غزة بأنها مثل قارورة. فوهتها على معبر فيلاديلفيا، الذى يمتد بطول 13 كيلومترا، هى حدود غزة الجنوبية مع مصر. الإسرائيليون فهموا هذه الحقيقة وتعاملوا معها بدقة متناهية.. كيف؟ فى أثناء احتلالهم سيناء، عملوا شبكات مستوطنات، فى شمال شرق سيناء، لتكون بمثابة قطعة فلين، تقفل فوهة قطاع غزة. وبالتالى تفصل الكثافة البشرية، فى غزة، حيث الكثافة البشرية، عن صحن سيناء، وسطها، حيث سهولة حركة السلاح وسهولة خلق مخازن له. سنة 1982 نزعت إسرائيل قطعة فلينها، حين انسحبت من سيناء وتركت فوهة غزة مفتوحة. تعامل مبارك مع مشكلة غزة كما ينبغى لسياسى من الدرجة الثالثة أن يتعامل. إذ تلفّت مبارك حوله فلم يجد أوراقا فى يده غير ورقة غزة. فاشتغل عليها يوظفها كورقة وحيدة فى علاقته مع إسرائيل، وبالتالى مع أمريكا. ومن أدق الأوصاف فى هذا السياق هو وصف وزير خارجية عربى، حين قال مبارك مثل طبيب لا يتردد على عيادته غير مريض واحد. إذا شُفى المريض كف عن الذهاب إلى العيادة وإذا مات كف عن الذهاب إلى العيادة. فاختار مبارك أن يُبقى غزة (المريض) بين الحياة والموت. كانت فكرة الأنفاق هدية السماء التى أهدتها لمبارك. افتح الأنفاق على غزة/ اقفل الأنفاق على غزة. والمفتاح فى جيب مبارك. هذه السياسة انعكست عميقا على سيناء. إذ إن أجهزته البيروقراطية المسؤولة عن تنفيذ لعبة اقفل/ افتح على الأرض، وفى الميدان استغلتها للتكسب وللتجنيد الأمنى والاستخباراتى. وبالتالى صارت تتكسب من هذه الأنفاق. وصارت سياستها مع ناس المنطقة: هااااااه.. بتكسبنا يا فلان بنخليك تشتغل.. ما بتكسبناش بنوديك الغربانيات (معتقل برج العرب الرهيب فى الصحراء الغربية والذى يبعد 1000 كيلومتر عن رفح). المكسب هنا معلوماتى ومادى. والمعلومات كثيرا ما تكون عن الجار والأب والأم والزوج والزوجة. والنتيجة تدمير، بالطول والعرض، لمنظومة القيم المحلية. وأهمية تلك المنظومة أنك كان يمكن أن تستخدمها اليوم كفلينة تقفل بها فوهة قطاع غزة بدل فلينة إسرائيل. بالمناسبة تلك المنظومة هى التى استخدمتها الدولة على أثر هزيمة 67. واختصر الحالة كلها، فؤاد نصار، رئيس جهاز المخابرات فى أثناء حرب أكتوبر، حين قال إن دور بدو سيناء فى حرب 73 لا يقل عن دور الجيش فى اقتحام خط بارليف.. طيب ماذا بعد؟ اليوم الحكومة بكامل طاقتها تعمل لتنظيم الاستقبال (الحسن) للفلسطينيين عند نزوحهم إلى سيناء. حطيت كلمة الحسن بين قوسين، لأنها وردت على لسان ضابط مهم فى واحد من اجتماعات الحكومة لتجهيز خطط الاستقبال. (ما هى بلدهم يا عم) قال الضابط المهم، حين طرح عليه الضابط، الأقل أهمية، الخطط التى استخدمت لإعادتهم إلى غزة سنة 2008 بعد اجتيازهم الحدود بشكل شبه جماعى. ثم أضاف: ليهم فيها 180 قطعة أرض.. اشتروها بفلوسهم! النزوح مرتبط بقيام الحرب البرية من وجهة نظر الحكومة. طيب إسرائيل تعطى حماس مهلة 36 ساعة، لقبول شروط الهدنة. (أكتب يوم الإثنين 19/11/2012) فى تصورى حماس ستوافق على كل الشروط. وفى تصورى أن أحد هذه الشروط، هدنة لمدة 15 سنة. بموافقة حماس على شروط الهدنة تصير على عتبة الاعتراف الدولى بها، كحاكم لقطاع غزة. بعدها ستواجه غزة مشكلاتها المتفجرة. أعلى نسبة كثافة سكانية فى العالم. سنة 2016 لن تجد غزة مياها صالحة للشرب، تقول جين جوف ممثلة اليونيسيف فى قطاع غزة. ليس فى القاهرة نظام قادر على الاشتباك العلمى مع مشكلات غزة المتفجرة. وستجد غزة نفسها تسيل أوتوماتيكيا على سيناء. والنتيجة: فلْتعدّ الحكومة المصرية حالها لنزوح فلسطينى. إن لم يكن بنار نتنياهو فسيكُن بقسوة العطش.. ودمتم.