التحرير ربما يلاحظ القراء الأعزاء الذين يتجشمون عناء متابعة هذه الزاوية وقراءة سطورها يوميًّا على شبكة «الإنترنت» أن عبد الله الفقير كاتبها لم يعلق أبدًا على السفالة والجهالة وفيض القذارة اللفظية والأخلاقية التى يتوسل بها أعضاء العصابة الإلكترونية الإخوانية المستأجرة لشن حروب شتم منحطة وواطية بقدر ما هى خايبة وبلهاء ضد كل من يتجاسر ويتكلم أو يكتب رأيا معارضا لحكم الست جماعتهم مظلمة العقل. طبعا أسباب ازدراء وتجاهل هذه السخائم الإجرامية (لو هناك قانون، فهو نشاط إجرامى بامتياز) مفهومة وواضحة، وأظنها لا تحتاج إلى شرح، غير أننى أعترف بأن هذا النهج، وإن أراحنى من الوسخ، فإنه حرمنى من التفاعل والتواصل مع قراء محترمين (تربوا فى بيوتهم) خصوصًا هؤلاء الذين يبدون فى تعليقاتهم آراءً مخالفة ومعترضة (ولو بحدة) على موقف أو رأى كتبته. هذه مقدمة لكى أقول إننى كدت أفطس من الضحك عندما تجولت أول من أمس (بعد انقطاع طويل) فى محتويات قائمة تعليقات القراء على موقع التواصل «فيسبوك» واكتشفت أن عضوًا غبيًّا فى العصابة السارحة بالأجرة فى الفضاء الإلكترونى جاهد وحزق واجتهد فى قلة الأدب، لكى يقدم الدليل العلنى على تقواه وورعه، فلم يجد فى قاموس اللغة البذيئة التى لا يعرف سواها، إلا العبارة الآتية: «الله يلعنك يا كلب يا ابن الكلاب.. يا كافر يا نجس»، ثم لما استنكرت قارئة محترمة مهذبة هذا الفحش رماها هى الأخرى بشىء من الزبالة نفسها (أرجو أن تقبل اعتذارى) ربما أملا فى الحصول على علاوة تميز فى السفالة من المجرمين الذين يستأجرونه!! ومع ذلك لم تخل جولتى النادرة تلك بين تعليقات القراء من شىء يستحق الرد، فقد لفتنى ما كتبه الأستاذ محمد محروس الذى عارض بشدة ما احتواه المقال بشأن ما اعتبره العبد لله مثالا ومجرد آية واحدة من آيات الجهل المتفشى فى اللجنة التعيسة التى تفبرك دستور البلاد حاليًا، إذ اكتظت بنود المسوّدة الرسمية التى أعلنتها هذه اللجنة مؤخرًا (فضلا عن اللغو والركاكة والعدوان على الحقوق والحريات) بمظاهر عشوائية وتناقضات خطيرة، أهمها النص فى مادتين أساسيتين وعمدتين تتعلقان بطبيعة نظام الحكم، على حكمين متضاربين ومتعاكسين تمامًا، إذ بينما تقول المادة 156 من المسودة «إن رئيس الجمهورية هو الذى يضع السياسة العامة للدولة ويراقب تنفيذها»، تعود المادة 171 لتقرر أن هذه السياسة العامة للدولة تضعها الحكومة (أو الوزارة) وهى التى «تراقب تنفيذها» وليس الرئيس!! لكن السيد محمد محروس هاجمنى واتهمنى، ليس فقط بأننى من «البكوات» بل «ألوى الحقائق» كذلك، نافيا عن لجنته الدستورية التعبانة أن تكون وقعت فى أى تناقض بهذين النصين.. كيف؟! يشرح أخونا محروس وجهة نظره قائلا: «جمال بك يتحدث عن تناقض وهمى بين سلطة الرئيس ورئيس الوزراء، وكلاهما مسؤول فى المسودة عن السلطة التنفيذية، (لأن) نظام الحكم فى الدستور الجديد مُختلط، «أى رئاسى وبرلمانى» معًا. والحق أن لو فى الأمر أى «خلط» فهو ليس فى النظام السياسى الذى يراه القارئ الكريم فى هذه المسودة الدستورية السوداء، وإنما الخلط الحقيقى قائم فى رأس سيادته ورؤوس السادة الأفاضل الذين سودوها، إذ ليس معنى أن يكون نظام الحكم هو خليطًا من النظامين الرئاسى والبرلمانى، أن يصير الرئيس مسؤولا عن رسم السياسات العامة ومراقبة تنفيذها وتكون الحكومة أيضا لها الاختصاص نفسه، لأن معنى ذلك أن التنازع والفوضى وشلل الدولة سيكون غاية وتكليفًا دستوريًّا، وهو أمر لا يستطيع عاقل (ولا حتى مجنون) أن يقول به!! ثم لماذا نذهب بعيدًا، أليس هذا النظام الرئاسى البرلمانى المختلط موجودا ومعمولا به فعلا فى بلاد عديدة من بلدان دنيانا الواسعة، أشهرها فرنسا؟! طيب يا أخ محروس، ما رأيك فى أن نذهب فى رحلة سريعة سعيدة إلى الدستور الفرنسى (دستور 1958 المعمول به حاليًا) لنقرأ بماذا تفتى بنوده فى هذا الشأن: يقول البند رقم (5) تحت عنوان رئيس الجمهورية: «يسهر الرئيس على احترام الدستور، ويضمن عبر تحكيمه (أى أن يكون حكمًا) السير المنتظم للسلطات العامة واستمرارية الدولة، وهو حامى الاستقلال الوطنى والسلامة الترابية، واحترام المعاهدات».. إذن، وكما تلاحظ سيادتك، فإن الرئيس الفرنسى ليس من بين مسؤولياته واختصاصاته الخطيرة أن يرسم «السياسة العامة للدولة»، وإنما الحكومة (أو الوزارة) المسؤولة أمام البرلمان هى التى تضع السياسات وتنفذها، وهذا ما ينص عليه البند الدستورى رقم (20) إذ يقول وبالفرنسية الفصحى: «تقرر الحكومة السياسة الوطنية وتنفذها...». صباح الخير يا محروس بك..