أبدأ باعتذار واجب إلى القراء وإلى روح الفنان الكبير فريد شوقى عن اضطرارى إلى وضع عنوان لهذه السطور هو نفسه اسم فيلم سينمائى قديم وبشع لدرجة أنك تمدحه جدا لو اكتفيت بوصفه بأنه تافه وردىء فحسب.. والحق أننى منذ كنت فتى صغيرا وحتى الآن لم أتمكن من تخمين سبب تورط الفنان الراحل فى فيلم بهذا السوء جرى الترويج له وقت عرضه الأول فى مطلع سبعينيات القرن الماضى (وبفخر شديد) باعتباره إنتاجا مصريا تركيا مشتركا! هل تسأل: لماذا كل مشاريع الشراكة مع تركيا من الفن إلى السياسة تبدو فاشلة ورديئة؟! على كل حال ليس هذا موضوعنا، وأعود إلى موضوع «عثمان الجبار» الذى لا أتذكر الآن من وقائع فيلمه البائس سوى أن فريد شوقى ظل لمدة ساعتين تقريبا يصرخ ويضرب ويرزع فى خلق الله، متوسلا بملامح قسوة عبيطة ظنها المخرج التعبان مرعبة ومخيفة جدا للمشاهدين، غير أن أغلب هؤلاء لم يخافوا ولا ارتعبوا، بالعكس ماتوا من الضحك.. هذه المفارقة هى التى ألهمتنى استدعاء الأخ عثمان بطل الفيلم التركى القديم كذريعة للحديث عن الأخ عثمان بطل الفيلم المصرى الحالى. فأما «عثمان» فهو الأستاذ الدكتور ماجد عثمان الذى كان الذراع اليمنى للأستاذ المسجون أحمد نظيف، آخر رئيس حكومة فى نظام الأستاذ المخلوع وولده، ومن آيات تجبُّر هذا الرجل وجبروته أنه أثبت قدرة فائقة (لكى لا أقول معجزة) على أكل مهلبية كل العصور، فهو مثلا ومن موقعه القديم كرئيس لمركز دعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، صاحب دور البطولة الأول فى بضع فضائح يصعب نسيانها، منها تلك الفضيحة المدوية التى فجرها نشر نتائج «استطلاع رأى عام» جرت فبركته وهندسته تحت إشراف سيادته قبل الثورة بعام واحد فقط، وجاء فى أرقامه المسخرة أن نسبة 89 فى المئة من المصريين سعداء ويرفلون فى سرور وحبور عظيمين بسبب الأداء الفاخر لحكومة الأستاذ نظيف، بينما هى تنفذ بإخلاص السياسات الكارثية التى كان يفتكسها الأستاذ المحروس نجل المخلوع أفندى!! ثم قامت الثورة، فإذا بالسيد عثمان الجبار يقفز و«ينط» بخفة ولياقة بدنية مدهشتين من مركب الأسياد القدماء ويركب حمارة الأسياد الجدد، فبدل أن يتذوق طعم العقاب العادل والمناسب للمساخر الفظة والارتكابات الفضائحية التى هتكت شرف البحث العلمى وأهدرت استقامته ومرغت سمعته فى وحل الكذب والنفاق، وجدنا الرجل يصعد ويترقى ويصير وزيرا ثوريا نوريا قوى خالص، غير أنه لما خرج من الوزارة ظن كُثر من الطيبين أن دولته دانت وأسطورته زالت وتحللت خلاص، لكن هيهات، فقد أثبت الأخ «عثمان الجبار» أنه ظاهرة جبارة فعلا وعصية على التبدد والتلاشى، وأن قدرات جنابه على «النط» واختراع أسباب جديدة للحياة فى أى بيئة والتحور مع أى وضع، أكبر وأكثر كثيرًا مما يعتقد السذج، إذ سرعان ما أسس هذا «الجبار» العابر لكل العصور مركزا خصوصيا للاستطلاعات المضروبة والاستقصاءات المطبوخة حسب ذوق الزبون ومقاسه، وقد اختار له اسم «بصيرة» بالذات مع أن إنتاجه بدا وكأن لا هدفه له سوى إشاعة «العمى»، ومحاولة تخليق وعى مغلوط ومشوه، وحشر انطباعات زائفة فى رؤوس وعقول الناس باستخدام أسوأ أساليب النصب باسم العلم وأشدها عبطا وبؤسا وانحرافا عن القواعد البحثية والأصول المنهجية.. وأكمل غدا إن شاء الله، باقى مشاهد فيلم «عثمان».