شكرًا.. عادت الست ريما بالسلامة لحالتها التعبانة القديمة، فبعد نجاح عملية السطو المسلح التى نفّذتها الأخت «جماعة الإخوان» على الصحف القومية المملكوة للشعب المصرى الغلبان، مستخدمة واحدة من أسوأ وأوسخ مخلفات المخلوع أفندى وفرضت عليها قيادات ليس ملائمًا وصف الحالة المهنية والتعليمية لأغلبهم علنًا، تم سحق معالم ومظاهر ربيع قصير واستقلال هش وضعيف تمتعت به نسبة معقولة من هذه الصحف بعد الثورة، ومن ثم رجعت كما كانت، مجرد أبواق دعاية خايبة وبائسة وعبيطة للحكام.. فقط كل ما تغيّر أن إنتاج الكذب والنفاق وقلة القيمة وإن ظل بالقدر والمعدل والمواصفات القديمة نفسها، إلا أنه لم يعد موجّهًا إلى مبارك وعصابته، وإنما إلى الورثة الجدد، أى فضيلة الدكتور مرسى وجماعته وباقى العائلة الإخوانية الكريمة. آيات هذا التغيير فى عنوان النفاق والأكاذيب والمسخرة تراكمت فى الأسبوعين الأخيرين وصارت أكبر من أن تعد أو تحصى، لكنى صباح الخميس الماضى كدت أستشهد موتًا من الضحك لما وقع بصرى على كلمات «المانشيت» الذى زيّنت به «الأهرام» (الصحيفة وليس أهرام الجيزة) رأس صفحتها الأولى، فقد كانت تقول نصًّا «6 مليارات دولار عائد رحلة مرسى للصين»!! طبعًا علامتا التعجب الأخيرتان هاتان من عندى ولا وجود لهما فى النص الأصلى الفاخر، فأما سبب وسر العجب (لو كان فى الأمر أى سر) فهو ليس سرًّا أو سببًا واحدًا ولا اثنين ولا ثلاثة، وإنما ألف سر وسبب على الأقل.. ولكنى من باب الاختصار على حضرتك ولدواعى السفر والسياحة وضيق المساحة فقد انتقيت منها أربعة أسباب فقط، سأبسطها فورًا أمام جنابك: أولا: حدث لى وأنا ألتقط بعينى الكلمات المذكورة أعلاه أن أصبت بما أصاب الصديق والزميل السابق وزير الإعلام الحالى الأستاذ صلاح عبد المقصود، عندما اختلط على سعادته الأمر وتخيّل (وهو الإخوانى العتيد) أن مبارك ما زال يحكم، فقال علنًا على شاشة التليفزيون الرسمى إن «الرئيس مبارك.. كذا كذا»، بينما هو يقصد ب«كذا» فضيلة الرئيس مرسى الذى استوزر سيادته.. وبسبب هذه الإصابة (اكتشفت أن كثيرين يصابون بالإصابة نفسها هذه الأيام) استبدلت أنا أيضًا «مرسى» ب«مبارك» ومن ثَم قرأت المانشيت الأهرامى على النحو التالى: «6 مليارات دولا عائد رحلة مبارك للصين»، وقبل أن أعيد قراءة الجملة وأتبيّن حقيقتها ضحكت واستعجبت جدا أن الصحيفة العريقة فى ثوبها القشيب الجديد لم يصلها خبر وجود المخلوع فى سجن مزرعة طرة. ثانيا: غير أننى بعد القراءة الثانية عادتنى كريزة الضحك مرة أخرى بسبب استخدام الصحيفة كلمة «عائد» فى وصف نتائج رحلة مرسى إلى الصين، وكأن هذه الرحلة الرئاسية «رحلة» سيارة تاكسى أبيض أو «توك توك» رئاسى يتبختر ويتنطط فى أزقة حى الطالبية فى الهرم. ثالثا: والحق أننى ضحكت وانبسطت فعلًا، لكننى لم أستهجن استعمال هذه الكلمة التى تبدو عجيبة وغريبة على السياسة، وأقل قليلًا من التعبيرات التجارية وأعلى كثيرًا من التعبيرات المتداولة فى عوالم السبابيب، لهذا لو كنت أنا الذى كتبت هذا المانشيت فربما كنت سأستعين بعبارة «إيراد» الرحلة الصينية بدلًا من «عائد»، لأنها أقوى تعبيرًا وأشد التصاقًا بالمعنى الارتزاقى (من الرزق) الذى أرادت «الأهرام» تبشير جمهور القراء به. رابعا: بيد أن المشكلة الحقيقية أو المسخرة الأصلية لم تكن فى نعت نتائج زيارة فضيلة الشيخ مرسى إلى الصين بأنه «عائد» أو «إيراد»، وإنما فى الطريقة التى جرى بها حساب هذا الإيراد وتقديره بمبلغ «6 مليارات دولار» على سبيل الحصر والتحديد، فعندما قرأت سطور المتن المرصوصة تحت كلمات المانشيت وجدت أن أختنا «الأهرام» استندت إلى تصريحات أدلى بها التاجر المعروف حسن مالك (واحد من الحفنة المالية الإخوانية الساعية لوراثة إمبراطورية أحمد عز وصحبه) بوصفه مكلَّفًا من الرئيس وجماعته بلم وحشد وقيادة جيش التجار الذين ذهبوا فى معية سيادته إلى بكين، وهناك عقدوا اتفاقيات (سمعنا عن أمثالها كثيرًا أيام المخلوع) بمقتضاها سنشهد (غالبا، وكما حدث فى السابق) قفزة هائلة وسريعة فى عدد «الكونتينرات» الحاملة للبضائع الصينية إلى السوق المصرية. هذه القفزة المنتظرة أظن أن قيمتها ستتجاوز كثيرًا تلك «المليارات الستة» من الدولارات التى تحدث عنها الأخ مالك ونقلتها عنه الأخت «الأهرام».. هل تسأل جنابك: أين المشكلة وفين بالضبط المسخرة؟! المشكلة والمسخرة أن هذه المليارات ستخرج من جيب الشعب المصرى ويذهب بعضها إلى الصين ويستقر بعضها الآخر فى كروش التجار.. اضحك بقى وانبسط قوى.