بعد أن خلع المخلوع مباشرة كان الدبلوماسيون المصريون المحترمون وشباب الخارجية المصرية فى ميدان التحرير، يواصلون مشاركتهم فى الثورة التى بدأت منذ يومها الأول، رافعين مطلبا أساسيا وضروريا لإنقاذ مسيرة الثورة وهو تطهير منظومة العلاقات الخارجية من رجال حسنى مبارك. كان الهدف نبيلا ومنطقيا وهو أهمية أن يكون للثورة صوت يعبر عنها بأمانة وإيمان حقيقيين فى عواصم العالم، ومن ثم لا يجوز أن يبقى خصوم الثورة متحدثين باسمها فى الخارج، ولذلك كان هتاف الدبلوماسيين الأحرار هو «أنقذوا الثورة من أحمد أبوالغيط وفايزة أبوالنجا». وعلى مدى أسابيع نشطت عملية كشف وفضح لكوارث ارتكبتها الذراع الخارجية لمصر قبل وبعد الثورة، وقد عرضت فى هذا المكان لعشرات الوثائق والمكاتبات الخاصة بما يدور فى كواليس الخارجية لتمكين رجال مبارك بعد خلعه من السيطرة على سفارات مصر فى الخارج، وانتهى الأمر بإجهاض ما سميته فى ذلك الوقت «حركة سفراء الليل فى خارجية أبوالغيط ومبارك» وجرى عزل أحمد أبوالغيط من منصبه، استجابة اضطرارية لضغط الثوار، فيما بقيت فايزة أبوالنجا فى موقعها الذى لم تغادره منذ عام 1998، وعلى مدى ثلاث حكومات تشكلت بعد الثورة، لم تتزحزح الوزيرة الفولاذية عن مكانها قيد أنملة، حتى أن المتابعين تندروا على الأمر بأن المادة الثالثة فى الدستور المصرى تنص على أن «فايزة أبوالنجا وزيرة للتعاون الدولى مدى الحياة». والذى حدث بعد ذلك أن الوزيرة الفولاذية توغلت وتغولت فى كل مجالات الحياة السياسية، من الخارجية إلى الأمن القومى إلى الاقتصاد والقضاء والانتخابات وحتى التربية والتعليم، بما بدا معه وكأن هذه السيدة تمسك بكل خيوط صناعة القرار بعد الثورة، وتهيمن على مسطرة قياس الوطنية، فتقسم المصريين إلى وطنيين وعملاء من وجهة نظرها، وتنصب نفسها وصية على الثورة، ولا تتورع عن اتهام الثوار الحقيقيين بأنهم ثورة مضادة ومنفذون لأجندات خارجية تستهدف سيادة مصر وأمنها القومى. ثم كان أن أدخلتنا السيدة فايزة أتون حرب التمويل الوهمية، وكأنها وجدت فيها ضالتها وضالة المجلس العسكرى والحكومة فى اصطناع معركة كرامة وطنية، وصولا إلى إعادة إنتاج دراما عبدالناصر 56، لتخليق أو اختلاق بطل أو أبطال قوميين جدد فى ثياب من يتصدون للغطرسة الأمريكية الاستعمارية والإمبريالية العالمية التى تريد التهام ثورة أبوالنجا والجنزورى ومجلسهما الأعلى. لقد صفعوا كرامة الوطن وداسوها بالأقدام عندما سحقوا كرامة المواطنين والمواطنات وسحلوها على الأرض.. وها هم يصفعون كرامتنا الوطنية والإنسانية مرة أخرى بمشهد الخروج المذل للمتهمين الأمريكيين فى قضية التمويل «المفبركة» بعد أن طلبوا منا أن نشد الأحزمة على البطون، ونهيئ الخيل المسرجة لخوض معركة العزة والكرامة، لنكتشف فجأة أنهم يتسلون بنا ويبتزون المشاعر الوطنية فى لعبة سخيفة. غير أن اللعبة انتهت بكابوس مخيف تبددت معه ثقة المواطن فى قضائه واستقلاله، وسال الدمع على كرامة وطن يضارب بها مغامرون وأفاقون فى بورصة الزيف والكذب. ولكل هذا وغيره «تسقط العسكرة والفايزنة والعكشة».