«نقد الفكر الدينى» كان اسم الكتاب الذى فتح باب جهنم على المفكر السورى الشاب العائد من أوروبا صادق جلال العظم. ربما يكون فصل «مأساة إبليس» السبب فى المحاكمة والمصادرة على مستوى الفقهاء المتربصين بأى فكرة جديدة، لكن الخطر كان فى فصل يهتم بتحليل استخدام أجهزة دعاية نظام عبد الناصر للدين كحقنة مخدر لشعب صدّق الأحلام الكبرى وأحرقته مرارة الهزيمة فى ظهيرة حارقة. فضح الكتاب لعبة استغلال سلطة مهزومة لفكرة المعجزة الدينية. هناك أيضا تحليل لموقف رجال الدين، وحفلات التعتيم المكشوفة لظهور العذراء الشهير فى كنيسة الزيتون 1968. اعتمد صادق العظم على مناهج التحليل العلمى.. واتُّهم بالكفر. وراء الاتهام سلطة لم تتحمل النقد فأخرجت ميليشيات التحريم لتقتل الأفكار الجديدة قبل أن تنتقل عدوى التفكير إلى مجتمع يرتدى حزام العفة. حزام العفة هو حزام من حديد يلفّ به الرجل زوجته وهو مسافر.. يغلقه بقفل يحمل هو مفتاحه. وهو ليس عادة شرقية.. لكنه من عادات الغرب التى تخلص منها فى ثورة أعادت إلى الناس العاديين فكرة حب الحياة. الخديعة التى كان الرجل يقنع بها نفسه ليقبل أن يحتفظ بإخلاص زوجته بالقهر.. كما أنها تأثيرات فيكتوريا أشهر ملكات بريطانيا.. حكمت عندما كان أسلوب الحياة الإنجليزى مثل الأمريكى الآن هو الموديل القابل للانتشار، بداية من طقس شرب الشاى فى الساعة الخامسة بعد الظهر، حتى النظرة إلى الحب والجنس. عصر فيكتوريا هو قمة عظمة بريطانيا، الإمبراطورية الغنية القوية التى لا تغيب عنها الشمس من القاهرة إلى الهند.. وكان اسم الملكة هو علامة أُبّهة وقوة الإمبراطورية ودلالة على مجتمع أراد أن يصوّر نفسه نموذجا للتمسك بالفضيلة والتقاليد.. تمسُّكٌ إلى حد التَّزمُّت. اشتهر العصر بالحياة السرية التى يمارس فيها الأغنياء والأقوياء حياة سرية تتطرف فيها النزوات الجنسية إلى حدود لم تعرفها البشرية حتى الآن «وهذا ما جعل أشهر مواقع البورنو على الإنترنت.. تسمى نفسها بأسماء تلعب على فكرة العصر الفيكتورى»، وفى المقابل كان التَّزمُّت هو عنوان الحياة العلنية، ادّعاء للفضيلة وكلام عن الأخلاق الرشيدة، وتعليمات بانضباط مهذب فى علاقات الغرام. فيكتوريا نفسها كانت متطرفة فى التمسك بالأخلاق، لكن الأيام كشفت فضيحتها مع خادم الإسطبل الملكى الذى أنجبت منه طفلة تستّر عليها خبراء القصر وأخفوها فى ألمانيا. أى بدلا من إعلان الحقيقة وهى احتياج الملكة إلى الحب بعد وفاة زوجها، مارست حريتها فى السر.. وكانت هذه سمة العصر الفيكتورى. المجتمع المصرى يعيش الآن العصر الفيكتورى «لكن بلا أُبّهة ولا قوة الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس»، يمارس فى السر ألعابا مبتذلة فى الحب والجنس.. من الزواج العرفى إلى انتشار شبكات بيع المتع الرخيصة إلى حد غير مسبوق وبتقاليع على حدود التطرف.. وكل هذا تحت ستائر ثقيلة من الالتزام بالشكل «الحجاب.. وترديد آيات دينية قبل كل لقاء غير شرعى.. حتى إن بعض المحترفات بعد أن تقبض ثمن ليلتها تقول الحمد لله.. وفى عز العلاقة الساخنة تتوقف فجأة لأنها سمعت الأذان».. كل هذه سمات العصر الفيكتورى «هم أيضا كانوا يهتمون بالأدعية المسيحية والملابس المحتشمة..». هكذا يمكن أن نفهم الاهتمام الكبير بكتاب «الروض العاطر».. وصب اللعنات.. بعد أن يكون كل ما فى الكتاب قد مرّ إلى مخزن القراءة السريعة. هذه شيزوفرينيا فاقعة. بالضبط مثل ملاحظة زائر مصر أن علامات التدين معلَنة فى كل مكان. مسلمين ومسيحيين. فى الشوارع والتاكسيات والمحلات. أصوات كاسيت وملابس وأشكال وجوه. وفى نفس الوقت سيلاحظ أن حجم الفساد يتضخم... الفساد الكبير فى «البنوك وبين أعلى مستوى فى النخبة السياسية الحاكمة»، والصغير «اليومى وبين الشرائح المطحونة من الموظفين والمسؤولين». هذه الشيزوفرينيا دليل على حياة بائسة تماما.يشعر الرجل والمرأة بالخجل من تعلم البحث عن المتعة. وتنتشر النكت المكشوفة على رسائل الموبايل للنساء فى الوقت الذى ينتشر فيه النقاب والحجاب. وتنهى نجمة قضية فساد شهيرة مكالمتها الجنسية مع شريكها وهى تقول: «.. لا إله إلا الله»، وتنتظر أن تسمع رده: «محمد رسول الله». ملحوظة: مقال كتبته فى أواخر عصر مبارك وما زال صالحًا للنشر