أى نعم هناك فوضى بعد الثورات.. ومن ثم لم يكن هناك مفر من الفوضى بعد ثورة 25 يناير بعد الإطاحة بنظام مستبد فاسد ترك فى سنواته الأخيرة لحبيب العادلى وعصابته فى الداخلية قهر وتعذيب الناس ونشر الفساد فى الأرض والتحكم فى كل شىء ليصبح البلد محكوما بهم بقبضة واحدة.. فكل شىء كان فى يد الأمن يُفقِر ويسجن من يشاء، ويُغنِى ويفسد من يشاء ما دام تحت السيطرة الأمنية، وطالما عملت هذه العصابة فى خدمة الرئيس وحرست مشروع التوريث. وقد ساعد على الفوضى تعمُّد الشرطة وقواتها استمرار الانفلات الأمنى وتكاسلهم عن العمل وإحساسهم بأنهم هُزِموا وتقلصت صلاحياتهم فى القهر والتعذيب كما كانوا يفعلون خلال عصر مبارك مع استمرار قيادات وزير الداخلية المسجون حبيب العادلى على رأس الوزارة تتحكم فى كل شىء، فلم يطيقوا أن الشعب انتصر عليهم فى معركة الحرية فى الثورة على الظلم والقهر والفساد الذى كان يمارَس من الشرطة ومن كل فئاتها ضباطا وأمناء وجنودا ومخبرين ومن جهاز أمن الدولة الذى كان يتحكم فى كل صغيرة وكبيرة ولديه ملفات تقريبا عن كل الناس.. فأرادوا تأديب الناس من خلال الانفلات الأمنى ونشر الرعب كما فعلوا أيام الثورة التى قتلوا فيها المتظاهرين كأنهم فى معركة مع الأعداء من إطلاق مسجلى الخطر والمساجين لترويع الناس، ورغم تدليل الشرطة وتدليعهم وحصولهم على مكافآت وزيادة فى المرتبات بنسب كبيرة جدا فى ظل وجود اللواء منصور عيسوى وزير الداخلية فى حكومة شرف أو فى وجود محمد إبراهيم فى حكومة الجنزورى فإنهم لا يقومون بواجبهم ووظائفهم حتى الآن كأنهم يعاقبون الشعب على القيام بثورة ضد الفساد والاستبداد ومن أجل الحرية.. وقد ساعد على استمرار الفوضى والانفلات الأمنى المتعمد الإدارة الفاشلة لجنرالات معاشات المجلس العسكرى الذين وثق بهم الشعب بعد الإطاحة بمبارك وخلعه وتسليمهم السلطة لتبدأ مرحلة جديدة من دولة جديدة تقوم على الحرية والديمقراطية وبناء مجتمع حديث، كأن كل الناس متراصّون متأهبون للنقلة السريعة لثورتهم، لكن السادة جنرالات المعاشات الذين فرحوا بأنفسهم بأنهم الحكام الجدد لم يكونوا على قدر الثقة التى منحها الشعب لهم للإسهام فى بناء مجتمع ديمقراطى مدنى حديث.. بل حافظوا على بقايا الدولة التى تركها حسنى مبارك مجهدة ومجرفة وفاسدة واستعانوا بمستشارى الشر الذين أدخلوا البلاد فى دوامة ومزيد من الفوضى.. ولتجهض الثورة وبمشاركة قوى سياسية تحالف معها جنرالات المجلس العسكرى الذين عملوا لمصالحهم الشخصية وكذلك مع المصالح الشخصية لتلك القوى وعلى رأسها جماعة الإخوان التى رأت ضعف الجنرالات.. فسطوا على الثورة مرة بالتحالف ومرة أخرى بالغرور.. وبسياسة التكويش. ومع هذا تَسلّم الرئيس محمد مرسى السلطة، وحافظ على رجال مبارك فى النظام سواء فى الحكومة أو وزارة الداخلية، ولم نخرج بعدُ من حالة الفوضى. ولعل من آثار تلك الفوضى ظاهرة الباعة الجائلين التى بدأت تنتشر بشكل رهيب والتى يريدون أن يجعلوها أمرا واقعا. وهذه الظاهرة لا تقف فقط على قيام البعض من العاطلين بامتهان تجارة بعض البضائع فى الشوارع والميادين بل هى بؤرة «عظيمة» لباعة الفوضى وأشياء أخرى وعلى رأسها البلطجة، والاستيلاء على الأرصفة والشوارع بالقوة وبالسلاح وتهديد المارة والتحرش بالفتيات والنساء جهارا نهارا.. وبالطبع ليس هناك شرطة تتدخل فى كل ذلك! فهل يُعقَل أن يسيطر الباعة الجائلون بالطريقة التى تحدث الآن على شارع طلعت حرب وبعض شوارع وسط القاهرة وكله فى حماية الشرطة التى لا تتدخل حتى لو كان الأمر بإبعادهم سيسهِّل حركة المرور، كأن الداخلية هنا بتركها حالة الفوضى والباعة الجائلين تؤدب وسط القاهرة وناسها والمتعاملين معها باعتبارها كانت امتدادا لميدان التحرير فى أيام الثورة. لم يعد فيكِ يا مصر مكان فى أى شارع رئيسى أو فرعى أو ميدان إلا وهناك سيطرة من الباعة الجائلين عليه.. كأن مصر تحولت كلها إلى باعة جائلين.. كأن محمد مرسى قد وعدهم بالانتشار وإبقائهم فى أماكنهم بعدما منحوه صوتهم فى الانتخابات.