كان لافتا للنظر أن يكون تحرك قوات الأمن لفض حالة الفوضي والانفلات الأمني والبلطجة في ميدان رمسيس بقلب القاهرة, فقط بناء علي بلاغات وشكاوي من المواطنين واستياءهم من تعطيل مصالحهم وعدم وصولهم الي القطارات.!! هذا هو المبرر الذي أوردته وزارة الداخلية من اجل إنهاء سيطرة الباعة الجائلين علي ميدان رمسيس ومعهم سائقي الميكروباص حسبما هو منشور في الأهرام الأربعاء24 أغسطس وكأن حالة الفوضي التي أصبح عليها الميدان بعد ثورة يناير.. وكأن استيطان الباعة والبلطجية واحتلالهم للميدان وتحويله بالكامل مع الشوارع المتفرعة عنه الي كتل من مخيمات المعروضات التجارية وشمسيات باعة المشروبات المثلجة وباعة سندويتشات الكبدة والسجق.. الخ الخ الخ.. وكأن كل ذلك لم يكن كافيا لكي يحرك ساكنا لدي وزارة الداخلية ولا أن يلفت نظرها الي ان الميدان قد سقط في قبضة البلطجة, وإنما بلاغات الناس فقط هي التي نبهت الي وجود هذه الفوضي.! ولست ادري تحديدا لماذا تشعر الداخلية بكل هذا الخجل الي درجة اضطرارها الي تقديم هذه المبررات من اجل تأكيد عملها ووظيفتها في حفظ الأمن والضرب بشدة علي من تسول لهم أنفسهم الإخلال بالنظام العام.. هل تخشي الداخلية من أن تتهمها الائتلافات الثورية بالانقضاض علي الثورة في حال ما إذا تحركت من تلقاء نفسها للقضاء علي هذه البؤر الإجرامية التي انتشرت في أنحاء القاهرة والإسكندرية والمدن الكبري.. هل تعمل الداخلية بالمثل الشعبي اللي يتلسع من الشوربه ينفخ في الزبادي ؟.. إذا كان الأمر هكذا, فتلك كارثة لا يجب أن تمر مرور الكرام.. ولا يجب بحال من الأحوال أن يكون الخوف من الاصطدام بالثوار سببا ومبررا كي تتقاعس الداخلية عن دورها في ضبط الأمن والنظام, لأنه ببساطة شديدة هؤلاء ليسوا بثوار وإنما هم بلطجية من النوع الخطر. تقاعس الداخلية عن مهامها الواجبة في هذه المرحلة الحرجة يفقد ثقة المواطنين في إمكانياتها وفي درجة إخلاصها ووفاءها للوطن والمواطنين, وترسخ لدي عامة الناس الإيمان بأنها فقط كانت تعمل لحساب نظام سلطوي فاسد وإنها كانت مجرد سيف حاد مسلط علي رقاب العباد.. إضافة الي أن هذا التقاعس سيولد حالة من البلادة لدي أفراد قوي الأمن الداخلي تجعلهم ينظرون الي الأحداث الخطيرة التي تجري أمام أعينهم باعتبارها لا تخصهم في شئ وان علي الناس أن يتصرفوا لحماية أمنهم بعيدا عن الشرطة وكفي الله المؤمنين شر القتال. وفي الوقت نفسه تعطي الداخلية الفرصة كاملة وعلي طبق من ذهب لأصحاب التيارات السياسية المتطرفة المنظمة لتكوين ميليشيات خاصة بحجة المساعدة في استقرار الأمن بالشارع المصري وان تعود من جديد حكاية اللجان الشعبية التي أسفرت عن عصابات تمارس بلطجتها جهارا نهارا بعد أن عرفت أن القوة والعنف طريقا سهلا لابتزاز المواطنين والعبث بمقدراتهم بل وبحياتهم وأعراضهم. نعلم أن جهاز الشرطة قد تعرض لمشاعر غضب ظالمة وصلت الي حد القتل والتنكيل إبان أحداث الثورة وما بعدها, ولكن الحل لن يكون أبدا عن طريق الهروب من المسئولية والتقاعس عن أداء الواجب الوطني أو الخوف من ردود أفعال خيالية, وإنما بالعمل علي إعادة الثقة من جديد والتأكيد علي أن ما حدث خلال العهد البائد غير قابل للتكرار وان للشرطة دور هام في الاستقرار الداخلي القائم علي التمسك بالقانون والنظام وليس من خلال القهر والظلم. هل من المعقول أن تتخلي الشرطة عن دورها في تنظيم حركة المرور لصالح جماعات من فئات الشعب أيا كانت نواياهم الحسنة ؟ ربما يكون في هذا الكلام بعض من القسوة ولكن ما أود التركيز عليه هو ان جزءا كبيرا من المسئولية عن حالة الفوضي وعدم الاستقرار الذي تعيشه مصر منذ الثورة وحتي الآن, إنما هي راجعة الي تقهقر دور الشرطة وشعور أفرادها بالرعب من ردود الفعل إزاء أي تصرف قانوني تجاه البلطجية. ومن هذا المكان أدعو كل القوي الوطنية الشريفة الي تبني فكرة تنظيم مؤتمرات شعبية لمناقشة كيفية العودة القوية للشرطة الي الشارع المصري بما يحفظ الأمن والهيبة للمجتمع والنظام العام في إطار الالتزام بالقانون.. ولتكن هذه المؤتمرات في كافة المحافظات نقطة انطلاق لتوثيق الصلة بين الشرطة والمواطن والقضاء التام علي كل مظاهر الفوضي والبلطجة التي من شأنها إعاقة اي جهد حقيقي للخروج من هذه الأزمة.. وعلي أجهزة الشرطة أن تكمل الآن مهامها في ضبط الأمن والنظام في كل الشوارع والميادين.. وما كان واقعا في ميدان رمسيس لم يكن حالة فريدة, فهو مازال سائدا في معظم الشوارع والميادين, الأمر الذي يتطلب جهدا خارقا لمطاردة دعاة الفوضي والبلطجة. ولكن بقي أمر مهم.. الي متي تظل وزارة الداخلية تتحمل نتيجة أخطاء كل الوزارات والأجهزة التنفيذية الأخري ؟.. إن مشكلة الباعة الجائلين هي مشكلة اقتصادية واجتماعية من الدرجة الأولي تحتاج الي النظر في كيفية امتصاص طاقة هؤلاء الشباب والاستفادة من رغباتهم في الحياة الكريمة بإنشاء أسواق منظمة تستوعبهم, ناهيك عن العمل بجدية لزيادة الاستثمارات التي تستوعب هؤلاء الشباب وتقلل من البطالة. المزيد من مقالات محمد السعدنى