■ ■ رغم أنه بقى 30 عامًا راقدًا على قلوب أهالينا وفى حال سطو مسلح على السلطة والثروة فى هذا الوطن، غير أن المخلوع أفندى طوال سنوات الجمر هذه لم يجرؤ ولم يقدم سوى مرة واحدة فقط (فى قضية «صحة الرئيس» التى اتهم فيها الصديق إبراهيم عيسى) على أن يستخدم بنفسه ولصالح نفس جنابه المطبوعة بالسوء شيئًا من مخزون الترسانة القانونية الرهيبة وسيئة السمعة التى تكبل حقوق التعبير بقيود هائلة وثقيلة، وتجعل ممارسة حرية الإعلام والصحافة «ممارسة عرفية» خطرة ومهددة دائمًا بالتبدد والإلغاء التام وحشر من يقترفها فى ظلام السجون والتخشيبات والزنازين. فلما قامت الثورة وشق الملايين حناجرهم بالهتاف للحرية ونجحوا فى خلع الأستاذ المخلوع، انقضت جحافل ظالمة ومظلمة العقل على هذه الثورة، وصادرت أول قطوفها وأكلت ما تيسر من ثمارها اليانعة، فسقطت سلطة التشريع فى أياديها الكريمة، لكنها أنفقت الوقت فى مساخر وبلاهة وكلام فارغ كثير يصب كله فى مجرى محاولة تقنين وشرعنة التأخر والتخلف، ومن ثم لم تمتد يد من هذه الأيادى الموقرة إلى مخلفات وزبالات النظام المدحور، بما فيها تلك الترسانة البشعة المذكورة، بالعكس بدت هذه الحجافل سعيدة جدًا بها، بل لقد رأينا كيف أن بعضهم هدد وجاهد جهاد الأبطال لكى يزيدها ويسمنها ويمدها بقيود مستحدثة.. غير أن ستر ربنا حل علينا وأدركتنا رحمته الواسعة فانحل برلمان «الثورة المضادة» بتاعهم وتعطل وذهب فى الكازوزة بدرى، ومن ثم نجونا (ولو مؤقتًا) من مصائب وكوارث محققة. وأول من أمس فاجأتنا الست «جماعة الإخوان» وذراع حضرتها «الرئاسى» بهجمة متزامنة ومنسقة على حقوق المصريين فى التمتع بصحافة وإعلام حر، إذ قام محامى جناب مرشد الجماعة بتقديم عدة بلاغات إرهابية ضد صحفيين وإعلاميين، مستندًا إلى أسوأ ما فى ترسانة قوانين النظام المدحور، وفى الوقت عينه أعلن السيد مسؤول النفى والتكذيب اليومى فى رئاسة الجمهورية، أن فخامة الرئيس فى سبيله إلى تقديم «دفعة» بلاغات (لم يشأ الكشف عن عددها) إلى النيابة العمومية ضد صحف ووسائل إعلام وصحفيين (وربما كُتّاب أيضا) تهوروا وقلوا عقولهم واستخدموا حقهم فى نقد سيادته واقترفوا بذلك جريمة المس ب«الذراع الرئاسية»، التى يسبغ عليها النظام الباذنجانى الحالى حصانة وقداسة تحاكى ما يتمتع به المولى تعالى وجل شأنه!! هذا الذى يحدث، ما مغزاه وماذا يعنى بالضبط؟! يعنى أننا فى حاجة ماسة إلى قراءة الفاتحة على أرواح شهدائنا، ونأسى ونستعيد حرارة الحزن على ضياع نور عيون أجمل شبابنا، وندعو ونبتهل للمولى تعالى أن يلهمنا الصبر والسلوان، وأن لا يفرح فينا الأعادى وأن يشملنا بعطفه ورحمته ولا يجعلنا نضطر يوما إلى سكب عبرات الأسف والحسرة على أيام المخلوع وزمنه الأسود، المنيل بستين نيلة!! ■ ■ نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية صورة برقية رسمية أرسلها فخامة الدكتور مرسى رئيس مصر الحالى إلى نظيره رئيس دولة العدو شيمون بيريز، وحسب نص البرقية فإن رئيسنا شكر هذا الأخير، ليس على إجرامه وعنصريته (فضلا عن كذبه التاريخى) وإنما الدكتور الرئيس شكر المجرم الكذاب على «تهنئته (لسيادته) بحلول شهر رمضان..»، ثم لم يتوقف عند هذا الحد وإنما قالت البرقية بالحرف إن فخامته «ينتهز الفرصة ليؤكد اعتزامه تخصيص جل جهده (وربما جهاده أيضا) لكى يعيد عملية السلام فى الشرق الأوسط إلى مسارها الصحيح من أجل تحقيق الأمن والاستقرار لكل شعوب المنطقة بما فيها الشعب الإسرائيلى»!! والمشكلة فى هذه البرقية (التى أنتظر على أحر من الجمر سماع نفيها المعتاد من السيد المبجل «النافى الرئاسى» الرسمى) ليس أنها تدل على عكس ما يدعيه الرئيس وجماعته فى ما يخص العلاقة مع الكيان الصهيونى، وإنما مشكلتها الوحيدة فى نظرى أننى كنت أظن أن «جل جهود» سيادته ستكون مخصصة لاستعادة حقوق وكرامة وحريات المصريين، فإذا بسطورها تكشف أن «جل الجهود» الرئاسية ستذهب ل«العملية».. فماذا يعنى هذا؟! يعنى أن المخلوع لم يُخلع بعد وأن سياسات نظامه لم تذهب معه إلى مستشفى سجن مزرعة طرة، بل ما زالت قاعدة فى قصر الحكم كما هى، وكل ما تغير فيها أنها لم تعد تحلق ذقنها كل صباح، وإنما من باب الكسل على ما يبدو أطلقت لحيتها فحسب.. وكل عام وأنتم بخير.