ما قيل حتى الآن بشأن تفعيل وتمديد العمل بقانون الطوارئ، بعد تعديل بعض بنوده، ليصبح أسوأ وأشد قمعية مما كان قبل الثورة، أراه كافيا ولا يترك مجالا لأى تعليق جديد، أما الذى ما زال يحتاج إلى «دشليون» رأى و«عشروميت» تعليق فهو ظاهرة معالى جناب اللواء ممدوح شاهين، فهذا الجنرال كثير الكلام والفتوى، عظيم الأخطاء، يعتبر نفسه جنرالا فى القانون لا فى «العسكرية» والقتال على جبهات الحرب. وإذا كان جناب الجنرال مصرا على أن القتال بالفتاوى القانونية والدستورية المضروبة أفضل لسيادته وأكثر مناسبة وملاءمة لمهاراته، فليقترح عليه أحدهم إذن ترك الجيش وفتح مكتب للمحاماة والفتاوى والاستشارات وخلافه، على أساس أن هناك قاعدة مستقرة ومتداولة فى أوساط المحامين، منطقها «أن المحامى ملتزم (أمام موكله) ببذل جهد وعناية لا تحقيق غاية»، بمعنى أن الموكل المسكين لو اتبع إرشادات واستشارات محاميه، ثم ذهب بعد ذلك فى ستين داهية، فلا لوم ولا تثريب على المحامى أبدا خالص ألبتة. السيد اللواء وجيه صادق، مساعد وزير الداخلية لشرطة النقل والمواصلات، أبدى فى حوار نشرته إحدى الصحف أول من أمس استعداده التام لتطبيق قانون الطوارئ على سائقى أوتوبيسات النقل العام، إذا استمرت احتجاجاتهم السلمية، من أجل الحصول على حقوقهم المهدرة، وقال سيادة «صادق» اللواء إنه يسعى الآن للقبض على سبعة عمال، من ضمنهم رئيس النقابة المستقلة لعمال النقل، إذ اعتبرهم سيادته «محرضين» على الإضراب الذى هو فى نظره جريمة، لا حقا ديمقراطيا كفلته كل المعاهدات والقوانين الإنسانية والدولية، بل إن نظام المخلوع المدحور نفسه اضطر إلى الاعتراف به وقننه تشريعيا، وإن كان فرض على ممارسته (كالعادة) شروطا تعجيزية! ولست أرى فى ما قاله سيادة اللواء بشأن عزمه تطبيق قانون الطوارئ على سائقى النقل العام أى شذوذ أو فجاجة وانحراف عن أهداف الثورة، وإنما أظنه عين الحق والعدل، إذ كيف بحق الله يتمتع ركاب أى أوتوبيس بميزة احتمال انطباق قانون الطوارئ عليهم فى أى لحظة، بينما السائق والكمسرى محرومون من هذه الميزة؟! فى كتب الدعاية السوفيتية القديمة المترجمة من الروسية إلى العربية تعبير فخم وقوى، بذلت مجهودا خرافيا لنسيانه لكنى فشلت، هذا التعبير الذى أسرف المترجمون فى استعماله حتى صار «فلكلورا» عبارة عن كلمتين ملتصقتين دائما هما «يقوى ويتعضد».. فمثلا «ديكتاتورية البروليتاريا تقوى وتتعضد»، وكذلك «التحالف التاريخى بين الشغيلة عمالا وفلاحين يقوى ويتعضد»، كما أن «الجبهة العالمية المعادية للإمبريالية تقوى وتتعضد»، فضلا عن أن «العلاقات والرابطة الأخوية بين أمم وشعوب الاتحاد السوفيتى تقوى وتتعضد».. إلخ. وقد ظلت كل هذه الأشياء «تقوى وتتعضد» فى كتب الدعاية فقط، حتى انهار الاتحاد السوفيتى شخصيا، تحت وطأة ضربات ومؤامرات «الإمبريالية» التى بدا واضحا أنها هى التى كانت على أرض الواقع «تقوى وتتعضد»، فيما الرفاق السوفيت مشغولون ب«تقوية وتعضيد» قمعهم لشعوبهم. وقبل أيام تذكرت بكل الخير هذا التعبير السوفيتى القديم المشهور، وأنا أتأمل مذهولا فى حركة التعيينات والتثبيتات والتبديلات والتوفيقات الأخيرة التى شهدتها المنظومة القيادية فى القطاع المالى والمصرفى (بنوك وبورصة وخلافه)، فقد أكدت لى هذه «الحركة القرعة» أن «الفلول» لم تعد كذلك بل هى الآن «تقوى وتتعضد» وتتغلغل وتنتشر وتتعمق جذورها ويستفحل عفنها، ويضرب فى كل مفصل من مفاصل الدولة.. ويبدو أن هذا الوضع سيستمر على هذا النحو «يقوى ويتعضد» حتى يقرر الشعب المصرى أن «يقوى ويتعضد» هو ويقوم من جديد، لكى يذكر الجميع بأنه ثار ثورة عارمة فى الشتاء، ومستعد أن يجددها فى الخريف.