تستطيع أن ترى الثورة المصرية فى ملامح ميدان التحرير وما يمثله من رمز لإرادة وطنية أصبحت تحمل دلالة فى العالم كله، ومن الممكن أيضا أن ترى الثورة فى تفاصيل أخرى تبدو صغيرة، ولكنها تقول الكثير فهى مثل توابع الزلزال، رأيتها فى ثلاثة مواقف متباينة، شيخ جليل ومطرب عاطفى ونجم كوميدى. شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب غادر قاعة جامعة القاهرة محتجا على مكان جلوسه فى أثناء الخطاب الذى ألقاه رئيس الجمهورية، وله بالطبع كل الحق، ولكن هل لو أن الداعى لهذا الحفل هو المخلوع حسنى مبارك ووجد الشيخ أن مكانته قد تأخرت فى الصفوف الخلفية، هل كان يجرؤ حتى على توصيل عتاب غير مباشر لرئيس الجمهورية؟! كل ممارسات الشيخ السابقة تؤكد أنه كان كعادته سيلوذ بالصمت.. للشيخ الجليل تصريح فى عز أيام الثورة المصرية يطالب فيه المتظاهرين بالعودة إلى بيوتهم، ويؤكد أن الأزهر يؤيد الشرعية وكم أصدر الشيخ العديد من الفتاوى التى تقف دائما إلى جانب النظام ولو امتدت الأيام بمبارك وجاء بجمال فلن نستبعد أن يكون أول المباركين هو الشيخ أحمد الطيب. المؤسسة الدينية كعادتها تؤيد الحاكم وهى فى كثير من الأحيان تزايد على الحاكم! ورغم ذلك فإن شيخ الأزهر وجد فى الثورة ملمحا إيجابيا، هو أن من حقه أن يعترض على الرئيس، ربما حسبها الشيخ سياسيا ولا تنسَ أنه كان عضوا فى لجنة السياسات التى كانت فى السنوات الخمس الأخيرة على رحيل مبارك هى الحاكم الحقيقى لمصر وتواجده فى اللجنة هو الذى زاد من أسهمه فى الوصول إلى مشيخة الأزهر.. الحسبة التى دفعت شيخنا لاتخاذ هذا الموقف الثورى هو أن الرئيس الجديد يريد أن يكسب رضاء الجميع، وهكذا وجدها فرصة لإعلان غضبه، وهو موقن تماما أن هناك اتصالا تليفونيا قادما من الرئيس لكى يسترضيه.. ورغم ذلك دعنا ننظر إلى نصف الكوب الملآن، وهو أن شيخ الأزهر تمرد لأول مرة على الرئيس. وجه آخر للثورة قدمه المطرب مدحت صالح، سلبى هذه المرة عندما قال إنه يعتذر لجمهوره عن الأعمال التى ظهر فيها مع راقصات.. فسرها البعض بأنه أعلن توبته، وجد مدحت أن تعبير التوبة لم يصدر عنه ولا أدرى فارقا كبيرا بين الاعتذار وإعلان التوبة إلا فى الدرجة فقط، وأول خطوة لإعلان التوبة هو الاعتذار للجمهور! حاولت أن أتذكر الأغنيات التى ظهرت فيها نساء خلف مدحت صالح، ربما فى أغنيته الشهيرة «المليونيرات» أو فى بعض أفلامه ولكنى لم أشعر ولا مرة واحدة أن مدحت يقدم فنا مبتذلا، ولكنها أفلام متواضعة يؤديها مدحت على عجالة، وكأنه يشارك فى حفل غنائى فوق السطوح.. أفلام ترصد لها ميزانيات محدودة ولا يشاركه بطولتها إلا نجمات من الصف الثانى، هى تستحق أن يُقدَم عنها اعتذار فنى وليس اعتذارا أخلاقيا.. مدحت خريج جامعة الأزهر، وكان فى البداية يؤهل نفسه لقراءة القرآن، وهو يدرك تماما أن لا تعارض بين الفن والدين، ولم يقدم شيئا خارجا عن الإيمان، بل إن مدحت قبل نحو 15 عاما وجد نفسه فى مواجهة مع الأزهر عندما اعتبروا أن أغنية «كوكب تانى» تتعارض مع صحيح الإيمان ولم يتراجع أو يعتذر وقتها عن «كوكب تانى».. هل شعر مدحت أن التيار الإسلامى سوف يسمح له بمساحة أكبر فى الوجود لو أنه راهن مبكرا على أفكارهم، فسارع بطلب تأشيرة الدخول إلى كوكبهم الثانى؟! أحمد عيد أيضا توجه بشىء مماثل إلى الجمهور بأن يسامحه على بعض أفلامه التى اعتبر فيها أن فى مشاهده بعض تجاوز، يقصد أيضا أن يكون قد قدم مشهدا لعلاقة حميمة، ربما يقصد دوره فى أهم أفلامه «ليلة سقوط بغداد». من حق أى فنان فى أى لحظة من حياته أن يحدد اختياراته الفنية، مثلا الفنانة الكبيرة شادية تحجبت واعتزلت ولها العديد من المشاهد العاطفية، ولكن لم يحدث أن طالبت بحذفها أو تبرأت منها أو طالبت الجماهير بأن تسامحها، هى فقط تحجبت واعتزلت فى هدوء. إنها من توابع الثورة، شيخ يعلن غضبه ضد رئيس الجمهورية ومطرب يعتذر لجمهوره ونجم يتبرأ من أفلامه والبقية تأتى!