هل استوعبتم درس مجلس الشعب، وخلاصته المُرّة أن الجماعة دون انتماء حقيقى إلى المصريين قبل الجماعة ومصالحها وتحقيق خططها وطموحاتها الخاصة، ممكن أن تؤكل فى غمضة عين؟! وهل تدركون حجم الشكوك والقلق الذى يملأ الكثير من المصريين من صعود الجماعة إلى سدة الحكم، ومخاوفهم من تراجع مصر وانهيار مقوماتها الحضارية والثقافية وروحها الإبداعية والوسطية، وأن مخاوف جموع من المسلمين أضعاف ما لدى المسيحيين من مخاوف؟ ولماذا لا تتبنون خطابا واضحا وصريحا يؤمن بأنه لا تناقض بين قيم الإسلام والدولة المدنية ويؤكد حدوث تحولات جذرية فى الرؤى والمواقف، خصوصا من المرأة، ومن المصريين المسيحيين، ومن الحريات وحقوق الإنسان؟ وهل لديكم شجاعة الاعتراف بما وقعتم فيه من أخطاء، وقدرة التصحيح والاعتذار؟ وهل الرئيس المنتخب د.محمد مرسى، سيبادر إلى تنفيذ السياسات، واتخاذ القرارات التى تحوِّل وعوده الرئاسية إلى خطة وخريطة ومنهج عمل، سواء ما وعد به من تكوين فريق رئاسى وتعيين نواب للرئيس، ورئيس وزراء وقيادات فى جميع المواقع المسؤولة والمحركة لمفاصل الدولة من جميع الأطياف والقوى السياسية، والقيادات والرموز الوطنية، واللواءات والجنرالات الذين تمتلئ بهم مصر؟ وأنه لن يحدث فى مصر ما كان يحدث فى النقابات على سبيل المثال! وهل سيثبت المرشح الرئاسى بعد فوزه أنه مرشح حقيقى للثورة ولتحقيق أهدافها -باعتبار أن انتماءه إلى الثورة كان نقطة الارتكاز الأساسية فى دعايته الانتخابية؟ هذه بعض التساؤلات التى وجّهتُها إلى د.محمد مرسى، فى لقاء دُعيتُ إليه مع مجموعة من الرموز وقوى المعارضة مساء يوم الخميس 21/6، ولم أكن وحدى التى واجهت الحضورَ من الجماعة، وعلى رأسهم د.مرسى، بالحق وبالحقائق وبالمخاوف والمطالب، وبدا لى صادقا فى محاولة التواصل مع قراءات للواقع من خارج الجماعة، ولا تمتلك دواعى تأييد أو مهادنة أو تهاون فى حجم انتماء هذه الرموز إلى الثورة وإلى المعارضة للنظام الذى أسقطته الثورة، والكثير من ممارسات الجماعة، وإن كان الإيمان واليقين أن سلامة المشهد الوطنى ترفض إقصاء أى فصيل سياسى، ما دام قَبِل واحترم أن يكون جزءا من الكل المصرى، وأن تنضوى مصالحه وتتحقق من خلال وحدة صف وقوة هذا الكل بجميع مكوناته من الخلايا الحية للنسيج الوطنى المصرى. يوم الأحد 24/6، استعاد المصريون مشاعر القلق والساعات العصيبة التى عاشوها يوم 11/2/2011، وهم فى انتظار تنحّى الرئيس السابق، عاشوها حتى بعد عصر الأحد 24/6 وهم يواصلون حصد أشواك وعذابات المسارات الخاطئة التى فُرضت عليهم ومخططات الفوضى والتآمر لإسقاط الثورة وحلقات إهدار دماء أبنائهم ومأساة تقسيمهم إلى جماعات وميادين متناحرة وإفساد المشهد العبقرى لتوحدهم فى الأيام الأولى للثورة، وإفساد قضايا استعادة ثرواتهم المنهوبة، وتراكم الديون الداخلية والخارجية، وإحالة المسؤولية على الثورة مع أنها بالكامل، وبشهادة الخبراء، معلقة فى رقبة كل من شاركوا فى إدارة المرحلة الانتقالية.. فى مواجهة هذا الحصاد المرير أُعلن فوز د.محمد مرسى رئيسا. لا يعنى المشهد استحالة العبور بالثورة إلى بر الأمان، ولكن يعنى استحالة أن تحقق أى نجاح دون الاستعانة بالطاقة الهائلة الكامنة فى المصريين، والتى فجرتها الثورة وكانت تحتاج إلى إدارة وإرادة وطنية تعظّم وترشّد هذه القوى والطاقات الكامنة والمتفجرة، وبما يعيد التأكيد أن الإنقاذ لا يمكن أن يتحقق إلا بإعادة تجميع هذا الكل وتوحد صفوفه وتضميد جراحه -كما كانت ونجحت الثورة بالكل المصرى- فالإنقاذ لن يكون إلا بالكل. وقد استُكمل إعلان الفوز بقرار استقالة د.محمد مرسى من حزب الحرية والعدالة، ومن منصبه القيادى فى الجماعة، واستكمل الخبر بأنه لم يستقلْ من الجماعة، بينما فى وعوده الرئاسية أن يكون رئيسا لكل المصريين، وأرى أن هذا لا يتحقق مع بقائه عضوا فى الجماعة، ولا أعرف كيف نقرأ التصريحات التى تنوب الجماعة عن الرئيس فى إصدارها؟ وألا يجدد المشهد تساؤلات طرحت من قبل حول مدى تدخل الجماعة فى الحكم؟! كذلك تلوح تفاهمات تحدث ولا يتم الإعلان عنها -كالمعتاد- وخطوات اقتراب تتم بين الرئيس المنتخب والمجلس العسكرى والجماعة، بينما يعلن أحد قيادى الجماعة أن الرئيس سيحلف اليمين أمام «الدستورية العليا»، وبعد تشاورات اليوم الأول واللقاء مع المشير، تصدر إشارات إلى تفاهمات للإبقاء على مجلس الشعب وحل الثُّلث المطعون عليه فقط.. نحن مع احترام أحكام القضاء ومع كل تفاهمات تقود إلى حلول وتهدئة وتقلل دواعى التصادم والغضب، ولكن المهم أن لا تدار صفقات مصالح جديدة على حساب الشعب وثورته. فى أول خطاب ألقاه د.مرسى مساء ليلة إعلان النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية، بدا الخطاب أنه أُعِدّ بسرعة لإيجاد حالة اطمئنان وطنى وتفاهم مع مجموعة من المؤسسات التى تمثل أركان ومفاصل أساسية للدولة كالجيش، والشرطة، والقضاء، والمخابرات، ولكن غاب عن الخطاب الكثير من القضايا الرئيسية والسياسات وغاب تماما الحديث عن الدولة المدنية التى كانت تعهدا رئيسيا فى البيان الذى ألقاه الإعلامى الكبير حمدى قنديل بعد لقاء مجموعة الرموز الوطنية والمرشح الرئاسى، الذى لم يكن قد أصبح رئيسا بعد، فماذا بعد أن أصبح رئيسا؟! هل يوجد أى مجال لنكوص أو تراجع لا يحتمله المشهد السياسى بكل ما يمتلئ به من صراع وتربص وانقسام وتخوين، للأسف تفرض أن يتعامل الرئيس المنتخب ببالغ الحساسية والحس الإنسانى والوطنى على قدر مخاطر وتحديات المشهد، وأن يدرك ضرورة استقامة المقاصد والأهداف ووضوح النيات والمصارحة والشفافية وبكل ما يجعل جموع المصريين يؤمنون أنهم شركاء حقيقيون فى صناعة حاضرهم ومستقبلهم، وأنه بعد الثورة العبقرية التى قاموا بها وبعد الدم الشهيد الذى قدموه وبعد أكثر من ثلاثين عاما من الاستذلال والهوان والحرمان والخداع، والنهب والإفساد، وبعد أن أسقطوا رأس النظام السابق فى ذروة جبروته واستقوائه وهيمنة عسكره وقواته وواصلوا إسقاط مخططات ثورته المضادة، لم تعد أى قوة تستطيع أن تستقوى عليهم، وأنه لا سبيل لاستقرار إلا بسيادة القانون وإقامة العدل، وأن من يدرك معنى وقيمة أن يحمل شرف رئاسة جمهورية الزمن والحضارة والإبداع والثقافة والتوحيد منذ فجر التاريخ، عليه أن يستعصم بقوة وبإرادة وبرضاء واطمئنان هذا الشعب.