كيف تتواصل مهزلة إجراء انتخابات لرئاسة مصر بين من تُجرِى معهم النيابة العامة تحقيقات حول مشاركاتهم وأدوارهم فى ما حدث فى ميدان التحرير وحول وقائع قتل الثوار 2 و3 فبراير 2011، سواء من قاموا بوقائع القتل أو من كان مسؤولا مسؤولية أولى عن تأمين وحماية الثوار أو من توفرت لديهم معلومات والتزموا الصمت، حتى فضحت المعارك الانتخابية الفاسدة الجريمة التى ارتضوا السكوت عنها ما يقارب العام والنصف؟! يوم حدثت موقعة الجمل، بأجزائها أو فصولها الثلاثة كما وصفها المهندس ممدوح حمزة، الفصل الأول الاعتداء بالجمال والخيول والجنازير، والفصل الثانى بالسيراميك والجرانيت المسنون كحد السكين، والفصل الثالث بالمولوتوف وأسلحة القنص والليزر من فوق الأسطح والجامعة الأمريكية! يومها بدا المشهد خارج قدرتى على الفهم والاستيعاب، كانت قوات الشرطة العسكرية نزلت بمعداتها لتأمين الميدان والمتظاهرون يهتفون «الجيش والشعب إيد واحدة»، كانت علامة الاستفهام الكبيرة كيف اخترق المعتدون سياج وتحصينات الشرطة العسكرية للميدان.. من أعطى القوات الأوامر بفتح مسارات للمعتدين لينفذوا منها ويضربوا ويقتلوا الثوار فى الميدان، وبعدها من طلب إخفاء الوقائع الكاشفة والاتهامات المخيفة التى استُخلصت من تقرير تقصى الحقائق والتى يعاد التحقيق حولها الآن بعد أن أصبح إخفاؤها مستحيلا ومنها ما أدلى به على السيسى مدير تحرير «المصرى اليوم» أمام لجنة تقصى الحقائق وأكد فيه أنه كان برفقة ابن أحد المسؤولين بميدان التحرير يوم الموقعة.. وتلقى هذا الابن على هاتفه اتصالا من أحد الأشخاص يؤكد له أن هناك أمرا مدبرا ضد المتظاهرين، وأن عليه أن يغادر الميدان على الفور. تشير الوقائع التى نشرتها «الأهرام» 11/6، بعنوان «تطورات مثيرة فى قضية موقعة الجمل، طلب بضم شفيق كمتهم رئيسى فى القضية»، جاء فى ما نُشر أن شهادة السيسى استُبعدت من القضية فتقدم ببلاغ ثانٍ إلى النائب العامّ يعيد فيه سرد الواقعة، ومرة ثانية أُهمِلَ بلاغه! وعقب شهادته فى التحقيقات قال الزميل سيد على نائب رئيس تحرير «الأهرام»: «كل الأجهزة المصرية متورطة فى قتل المتظاهرين! ما لم يستطع أحد إخفاءه أن الفريق الذى يتقدم الآن لرئاسة مصر كان رئيس وزرائها فى أثناء الموقعة أو المقتلة وأنه المسؤول الأول عن سلامة أو قتل المتظاهرين وعن إهدار كل نقط دماء أريقت فى الميدان على بعد خطوات من مقره فى مجلس الوزراء والذى اعتذر فى مؤتمر صحفى فى أثناء رئاسته للوزارة بأنه لم يكن يعرف ثم عاد فى حملته الانتخابية وحمّل مسؤولية الجريمة للجماعة، فقدمت له الجماعة تسجيلا من برنامج تليفزيونى يشيد فيه بدورهم فى حماية الثوار فى أثناء موقعة الجمل، وأنه لولا هذا الدور لتمّ القضاء عليهم»! التسجيل أو الشريط قدمته الجماعة فى إطار دفعها لاتهامات الفريق ولم تقدمه فى إطار الكشف عن القتلة والمتواطئين! ولوحت بما بين أيديها من معلومات خطيرة، والسؤال: لماذا صمتت الجماعة عما لديها من معلومات تُدِين وتكشف الأجهزة والمسؤولين الذين شاركوا فى ارتكاب الجريمة، هذه المعلومات التى كان يمكن أن تمنع حلقات الدم والقتل التى توالى ارتكابها بحق الثوار؟! ولماذا لم تقدمها فى قضية قتل المتظاهرين التى استمرت وقائعها قرابة العام وانتهت بإطلاق سراح قيادات الأمن وتبرئة جهاز الشرطة وإدانة ما توالى الادعاء بوجوده «الفاعل المجهول» إلى جانب أحكام البراءة فى قضايا الفساد واستغلال النفوذ وفى قضية الغاز، وأيضا فى التحقيقات التى نُشرت مع نشر الأحكام فى القضية؟ يلفت النظر محاولة منع الأسئلة التى وُجّهت إلى المشير واللواء عمر سليمان ووزير الداخلية الأسبق محمود وجدى حول ما يكشف الهوية الحقيقية للقتلة، ولم يُطرح على الإطلاق السؤال الأهم: هل كانت الشرطة العسكرية بقواتها وقدراتها وعتادها وأسلحتها عاجزة عن حماية الميدان والثوار ومنع الاقتحام؟ وما الأدلة التى تثبت وجود قوات لحماس وحزب الله؟ وهل كانت قوات الجيش عاجزة عن حماية الحدود والسيطرة على مناطق ومنافذ الخطر؟ التساؤلات الخطيرة المسكوت عنها جزء من المتاهات المخططة مع عظيم الفارق بين فاعلين أصليين وشركاء بالصمت عما يعرفون! أيضا جزء من الفوضى الممنهجة والحقائق المتعمد إخفاؤها لينتهى المشهد العبثى بالمصريين وهم لا يجدون من بين نحو 85 مليونا إلا مرشحين كل منهما غير مبرأ من دماء الثورة والثوار وإن لم تستوِ درجات الجرم والمسؤولية، والاختيار الأول يضيف إلى إهدار دماء الشهداء احتقار وإهانة ثورة قامت لإسقاط نظام ثم توضع الملايين أمام محنة اختيار رمز من رموز هذا الماضى ليكون رئيسا لمصر، مع الاعتراف بأن ما يُطلَق عليه النخب والأحزاب والقوى السياسية والوطنية شركاء فى ما وصلنا إليه، المدهش أنه بينما يحاول المصريون أن يهدئوا روعهم ومخاوفهم من الاختيار الأزمة يتذكرون أنها مرحلة و4 سنوات وتنتهى، يعلن الفريق أن الحكم الذى سيتقرر فى مصر خلال الأيام القادمة سيستمر لمئة عام! إعلان للتصادم مع الثورة قبل أن تأتى به المحنة رئيسا! أما الجماعة فإضافة إلى موقفها مما كان لديها من معلومات ووقائع حول مذبحة الثوار فى 2 و3 فبراير 2011 والذى لم تطلقه إلا دفاعا وتبرئة لنفسها ودون مبالاة بحق الدم الشهيد فى كشف قتلته، الجماعة لم تتوقف عن إثبات أنها عاجزة عن إحداث تحولات حقيقية فى فكرها وتوجهاتها وآخر، أشكال النكوص ما تعرضت له اللجنة التأسيسية للدستور للمرة الثالثة أو الرابعة والإصرار على الاستحواذ وكتابة دستورهم لا دستور المصريين أجمعين، بالإضافة إلى استحالة جمع مفاصل الدولة فى قبضة تيار سياسى واحد مهما كان! وخطيئة عدم المسارعة إلى تشريع القوانين التى تحقق أهداف الثورة وتحميها من الحلقات التى لم تتوقف للثورة المضادة وأحدثها حتى الآن ما يطلقون عليه الانتخابات الرئاسية، وكان أول القوانين الحامية إصدار قانون العزل مع تحصينه ضد ما يهدده بعدم الدستورية، هذا السيف الذى أصبح كألعاب النار التى تهدد بحرق كل شىء حتى النتائج البائسة لسوء الإدارة والتآمر على عام ونصف من عمر الثورة وبما يهدد خلال الساعات القادمة برفع غطاء الشرعية عن البرلمان الذى دفع فيه المصريون بكل ظروفهم الصعبة أكثر من المليار، وبدستورية أو عدم دستورية قانون العزل وفق الترتيب المرتب للأوضاع. يجب أن يرفض المصريون الاختيار بين من شارك بتوفير كل المطلوب للخلاص من الثوار، ومن شارك بالسكوت على ما توفر لديه من معلومات كانت تقدم الحماية للثوار وتسقط حلقات وتآمر الثورة المضادة.. الاختياران باطلان.. والاختيار بين الاثنين باطل أو فليأتِ أى واحد منهما بأقل شرعية وشعبية، تعبر عن إرادة الملايين وكل ما لا يستطيع أن يباهى أو يدعى أنه يستند إلى إرادة شعبية ويتجاوز ولاء الجماعات التى ينتمى إليها كل مرشح، وليعد الثوار والقوى الوطنية الجادة إلى مواقع المقاومة والمناهضة بالقانون، هذه المواقع التى كانت لهم قبل الثورة ليجددوا الحلم الثورى ويصححوا المسارات التى أخطؤوا فيها ويستعدوا للجولات والانتصارات القادمة للثورة.. فمن قال إن عاما ونصفا تكفى لتستطيع قوى الثورة وقوى الشعب العظيم الذى أُنهِكَ ودُمر بأكثر من ثلاثين عاما من الفساد والإفساد والاستبداد أن تنظم صفوفها وتعيد بناء قواها تحت القصف المركَّز والمتواصل لقوى وإدارة ثورة مضادة.. ترهق الشيطان؟