العودة المفاجئة لخطاب الثورة، واستخدامه فى خطاب جماعة الإخوان المسلمين، منذ ترشيح المهندس خيرت الشاطر، وبعد استبعاده والدعوة لجمعة حماية الثورة يدعو للدهشة والاستغراب، فالجماعة التى انتهجت خطا إصلاحيا فى مواجهة الثورة، تكشّف لكل ذى عينين منذ استفتاء 19 مارس 2011، تتحدث الآن عن حماية الثورة من الفلول، بل ذهب بعضهم ليقول إن استبعاد الشاطر ما هو إلا مؤامرة على الثورة، متناسين أن القوى الثورية التى تدفع ثمن تمسكها بالثورة وأهدافها حتى اليوم من محاكمات عسكرية، واعتقال وتصفية وتشويه حتى اليوم، فى ظل صمت مريب من الجماعة حينا ومشاركة منها فى التشويه حينا آخر. وفى الوقت الذى لا يمكن لمنصف أن ينكر الدور الذى لعبته جماعة "الإخوان المسلمين"، وبالتحديد شبابها، جنبا إلى جنب مع كل القوى الثورية والسياسية فى إسقاط مبارك وعدد من رموز نظامه، إلا أنه لابد ومن التذكير بأن الثورة المصرية لم تقم لكى تحصُل على برلمان تُسلط عليه الآن، سيوف الثورة المضادة التى يقودها المجلس العسكرى، الذى طالما وقفت الجماعة فى صفه وعملت لصالحه. عُدت إلى الرابع من فبراير 2011، عندما خرج الدكتور الكتاتنى، بعد لقاء عمر سليمان، وفى الوقت الذى رفض فيه الميدان أى حوار وهتف "لا تفاوض قبل رحيل، الشرعية فى التحرير"، وقال فى لقاء مع سيد على وهناء السمرى، البرنامج الرسمى للثورة المضادة وقتها، "السيد عمر سليمان يقود مرحلة، ربما يكون هناك أجنحة مازالت لها قوة تعيق هذا المشروع"، وجاء مجمل الحديث ليؤكد أن الجماعة قبلت الإصلاحات التى جاء بها مبارك، ولم تبق إلا إقناع من فى الميدان بضرورة قبول هذه الإصلاحات والانصراف. فى جمعة 1 أبريل 2011، وفى الوقت الذى احتشد فيه الثوار فى الميدان فى ما سُمى بجمعة إنقاذ الثورة ذهبت الجماعة للاحتفال بيوم اليتيم، مؤكدين يومها أنه لا حاجة للنزول إلى الميدان، وفى 25 مايو أصدرت الجماعة بيانا حرض وبوضوح على كل من دعا لجمعة 27 مايو، حيث جاء فيه، "إن الدعوة إلى فعالية جديدة باسم ثورة الغضب، أو الثورة الثانية لا تعنى إلا أحد أمرين، الأول: أنها ثورة ضد الشعب أو أغلبيته الواضحة، الثانى: أنها وقيعة بين الشعب وقواته المسلحة وقيادتها الممثلة فى المجلس الأعلى، نحن ندعو كل القوى الحية والشعب المصرى إلى العمل بكل قوةٍ على وأد أى وقيعة أو فتنة سواء بين صفوفه أو بينه وبين قواته المسلحة، وعدم المشاركة فى هذه الفعالية"، فضلا عما مارسه الموقع الرسمى للجماعة من بغاء صحفى، حاول وقتها الدكتور العريان التنصل من تلك الواقعة، ثم نتج عنها استقالة رئيس تحرير الموقع الصديق عبد الجليل الشرنوبى قائلا فى نص استقالته " إن ما مارسه الموقع جاء متسقا مع بيان مكتب الإرشاد وما أعتقده أن تصريح الدكتور عصام العريان، فى عدد الشروق اليوم 29 مايو2011 م ما هو إلا محاولة لاسترضاء النخبة السياسية". مرورا بما حدث فى جمعة 28 يوليو ومحاولة السطو عليها وفرض شعارات الجماعة، ثم أحداث محمد محمود عندما تركوا الثوار والثورة تنزف دما على يد العسكر، ثم مرور كمال الجنزورى كرئيس للوزراء وهو الذى رفضته الثورة أيضا، لا لشئ إلا لأنها لا تقبل الحلول الوسط، على دماء الشهداء وبمباركة الجماعة، ثم الوقوف أمام الثورة التى خرج ثوارها فى 25 يناير 2012 رافعين شعار"يسقط يسقط حكم العسكر"، فى الوقت الذى رفعت فيه منصة جماعة الإخوان لافتة كبيرة كُتب عليها" العيد الأول للثورة"، مع أصوات الأغانى الاحتفالية التى تعالت عمدا حتى لا تسمع آذانهم أنات أمهات الشهداء. هنا لا يفوتنى أن أذكر دفاع الجماعة فى البرلمان عن وزير الداخلية أثناء الأحداث التى أعقبت مجزرة بورسعيد حول الوزارة، فيقول رئيس البرلمان أن الوزير أبلغه بأن قواته لا تطلق الخرطوش على المتظاهرين فى الوقت الذى كانت ترقد فيه سلمى سعيد وعشرات المصابين الآخرين على بُعد أمتار من سيادته فى قصر العينى جراء إصابتهم بخرطوش الداخلية، أذكر أيضا دفاعا مستميتا لرئيس الهيئة البرلمانية، لحزب الحرية والعدالة، ذراع الجماعة، عن المادة 28 من الإعلان الدستورى، بالرغم من كل التحذيرات التى قدمتها القوى الثورية من أن المادة ستستخدم استخداما سياسيا، ثم توسُط رئيس البرلمان لرفع اسم سامى مهران الأمين العام لمجلس الشعب من قوائم الممنوعين من السفر لاصطحابه معه فى سفره إلى الكويت، وهو الممنوع من السفر بقرار رقم 18 لسنة 2011 من جهاز الكسب غير المشروع. ربما ملّ البعض من تكرارى لتلك الوقائع، ولكن هناك بُدا من تذكير إخوتنا فى جماعة الإخوان أن الثورة تعنى تغييرا جذريا، وأن من ضحوا ودفعوا الثمن دفعوه لكى تهيئ الثورة مناخا يسمح بتنافس من الجميع على تحقيق أهدافها، ولم يدفعوه لكى تُقسّم "التورتة بين العسكر والإخوان"، وهو ما اتُفق عليه، هنا يتأسس نقدنا للجماعة لكونها حصدت أغلبية برلمانية، ولأمنيات لطالما منيت بها النفس أن تبقى جماعة الإخوان إلى جوار قوى الثورة ،اقتناعا وليس بتغيير الحسابات، حتى تنجح فى إزاحة كل النظام بشخوصه وسياساته، وهو ما لم يحدث أملا منهم فى الحصول على سلطة حتى ولو منقوصة، ربما لأنهم لم يفهموا أن الثورة وحدها هى التى سيخضع لها الجميع قريبا أو بعد حين.