من الواضح أن الثوار والنخبة والحركات السياسية لم تدرك بعد أن جمهورهم وشعبهم قد انفض من حولهم، وأغلبهم كفر بما يقولونه وملّ من تكرار ما يفعلونه دون جدوى، فخلال عام ونصف العام استُهلكت أعصاب الجماهير والناس على مختلف أعمارهم وطبقاتهم ومهنهم ودينهم فى شد وجذب وحوار وصراخ وانتخابات واستفتاءات ومظاهرات ومليونيات، ليكتشف الشعب بعدها أنه لم يتقدم خطوة إلى الأمام، فالاستفتاء الذى خرج له الشعب بالملايين مستجيبًا لدعوة الاستقرار التى أطلقها المجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين، مصوتًا ب«نعم» على التعديلات الدستورية وإجراء الانتخابات أولًا فوجئ أنه الاختيار الخطأ وأن تلك القوى غرّرت بإرادته ودفعته إلى حيث خدمة مصالحها الخاصة، ثم جاءت الانتخابات البرلمانية، حيث توجهت الملايين من المخلصين والمحبين لوطنهم والمستجيبين لدعوة التغيير على أمل أن ينصلح حالهم مع النخبة والقوى السياسية الوليدة من رحم الثورة أو القوى الدينية المضطهدة فى العهد السابق، وبعد أن أتمت عملية انتخابية نزيهة وجاءت بأول مؤسسة شرعية فى العهد الجديد فوجئنا أن القانون غير دستورى وأن بعض الإخوة من أرباب الميدان قادهم طمعهم إلى صياغة قانون غير دستورى وينتفى فيه تكافؤ الفرص بين المرشحين، وهو خطأ تاريخى علينا قبل غلقه وإعادة الناس إلى طوابير الصناديق أن نحاسب من ارتكب هذه المصيبة، فإذا كنا فى السابق نتهم النظام بأنه يفصّل قوانين ليستخدمها وقتما يشاء ويلغيها عندما يرغب، فهذه المرة خرج القانون من تلك النخبة الثورية والدينية وكان دور المجلس العسكرى هو البصم على ما تتفق عليه القوى السياسية، ولأننا شعب طيب وجميل ورائع ويسعى للحرية لم يخذل ثورته ونخبتها ولم يستسلم للإحباط من اختياراته أو من القوى الثورية التى لامته وعنّفته على تصويته لقوى الإسلام السياسى فى «الشعب» و«الشورى» ونزل إلى الانتخابات الرئاسية فوجد الثوار منقسمين وليس لهم مرشح واحد فاختار أن تكون الإعادة بين أحمد شفيق ومحمد مرسى، فوجدهم يعنفونه مرة أخرى ويحملونه عبء المسؤولية عن إهدار دماء الشهداء والجهل باختيار مرشح من النظام السابق وآخر من الإخوان المسلمين، فالشعب دائمًا هو المخطئ باختياراته غير الثورية وانحيازاته إلى غير الثورة وأهدافها، بينما لم يلم أشاوسة الفضائيات أنفسهم على قراراتهم الخاطئة وقوانينهم غير الدستورية واختلافاتهم وخلافهم الدائم فى الأوقات الحاسمة وعدم استقرارهم على مجلس ثورى يقود الناس وينير لهم الطريق، لأن كلًّا منهم يعلى الذاتية والنرجسية، ويسعى للفوز وحده بثمار الثورة التى عانت الأمرّين من رجالها قبل أعدائها، لكنهم يلومون الآخرين وينسون أنفسهم، فالمخطئ عندهم إما المجلس العسكرى أو طمع الإسلاميين أو فلول النظام السابق أو الشعب الجاهل باختياراته. أما هم فأبرياء وأنقياء ورسل منزّهة عن الخطأ، والمدافعون عن دم الشهداء والمصابين وهو كلام علينا أن نراجعه، فالشهداء دفعوا أرواحهم كى ينزعوا للشعب حريته وحقه فى الاختيار ونزاهة فى الانتخابات، وهذا ما حدث بقليل من الأخطاء، فالدم مقابل الحرية وليس مقابل هذا المرشح أو غيره، فإن سقط ضاع الدم وأُهدر. إن من يتحدثون باسم دم الشهداء هم أول من أخطؤوا فى حقهم باختلافهم وعدم اتفاقهم على مرشح رئاسى واحد، فلو أن الجميع التفّ خلف حمدين صباحى لكان هو الرئيس، أما أنه لم يأت فهذا لا يعنى الكفر بما حققته الثورة ولا يعنى أيضًا أن يتحالف الخاسرون ويطالبوا بمجلس رئاسى، وهو ما يذكرنى بما كانت تفعله إدارة الزمالك عندما تخسر مباراة أو تخرج من بطولة، فتصرف مكافأة إجادة للاعبين. فهذه الأفكار والأطروحات من شأنها أن تفقد قيمة الثورة والثوار عند الجمهور البسيط، وهو اللاعب الأساسى الذى يسعى له الجميع، والذى يتم قهره نفسيًّا وعصبيًّا بشكل منظم من قبل بعض القوى والأطراف السياسية التى لم تحصل على غنيمة، فقررت أن تعيد اللعبة من الأول، وأن تحرك الميادين فى عكس اتجاه ما اختارته الجماهير. من هنا فإننى أدعو الناس البسيطة من أمثالى والعمال والفلاحين والطيبين والطيبات والأطباء والمهندسين والطلبة والطالبات، وكل فئات المجتمع التى استهلكت أعصابها وضيقت عليها أرزاقها وملّت من متابعة معارك الديوك على الفضائيات وهى معارك ستستمر معنا لفترة، أن تحول اتجاهها وتذهب إلى استراحة تتابع خلالها بطولة الأمم الأوروبية، وتستمتع بالكرة الجميلة والسريعة والشيقة والمبهجة، عيشوا ليالى هذا الشهر واستريحوا، ولكن لا تنسوا أن تتوجهوا «السبت» و«الأحد» القادمين لتختاروا رئيسكم الجديد، اختاروا بحرية ولا تخافوا من الذين يريدون إيقاف عجلة الديمقراطية، لأن الصناديق لم تختره. من يُرِد الدولة الدينية ويشعر أن فيها الخلاص، فليصوِّت لمحمد مرسى. ومن يُرِد الدولة المدنية ولو بإعادة إنتاج النظام القديم بعد التعديل، فليصوِّت لأحمد شفيق.. اختاروا ثم عودوا إلى نزهتكم مع بطولة الأمم الأوروبية.