الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو تركى أبا عن جد، لكنه مصرى الهوى والروح والثقافة، وربما أكثر شخص يشعر بالحزن والأسى للحال التى وصلت إليها علاقات البلدين، وهو واثق أن الأزمة عابرة وسوف يتمكن البلدان من استعادة ما انقطع فى أقرب وقت. الدكتور أوغلو غادر القاهرة الجمعة الماضية،وفى نهاية هذا العام أى بعد أيام قليلة سوف تنتهى مدة ولايته كأمين عام لمنظمة التعاون الإسلامى بعد حياة حافلة فى المنظمة التى كان اسمها سابقا «المؤتمر الإسلامى». مساء الخميس الماضى لبيت دعوة كريمة من السفير سيد قاسم المصرى لحضور حفل بسيط مغلق وضيق لتكريم وتوديع أوغلو. ذهبت متأخرا للأسف فوجدت كوكبة جاءت لتؤكد تقديرها للدكتور أكمل. كان هناك الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربى ووزراء الثقافة صابر عرب والسياحة هشام زعزوع والآثار محمد إبراهيم والخارجية الأسبق أحمد أبوالغيط والثقافة الأسبق عماد أبوغازى والدبلوماسى الكبير مصطفى الفقى والسفير مهدى فتح الله والكاتب الكبير جميل مطر. أول مرة أعرف أن الدكتور أوغلو مولود فى مصر من خلال الكلمة القصيرة التى قالها السفير سيد المصرى الذى رافق الرجل فى جدة عندما كان سفيرا لمصر فى السعودية. أوغلو يعرف مصر وقدرها وأمثالها الشعبية اكثر من كثير من المصريين. هو ليس دبلوماسيا فحسب بل هو عالم مدقق ومحقق وله أبحاث ودراسات و كتب كثيرة اهمها ما نشرته له دار الشروق مؤخرا عن «الأتراك فى مصر وتراثهم الثقافى». على ذمة السفير قاسم المصرى فإن أوغلو أعاد إحياء منظمة التعاون الإسلامى بعد أن كادت تغرق فى بحور النسيان. تحدث أوغلو لدقائق قليلة ليؤكد على عمق العلاقات المصرية التركية رغم الأزمة الراهنة. وقبل لقائنا معه بقليل كان قد التقى بشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب،وطبقا لما تردد فإنه إلمح الى استيائه مما قاله رجب أردوغان رئيس الوزراء التركى بحق الشيخ. خلال اللقاء علمت أن السفير التركى حسين عونى بوصطالى الذى أبعدته القاهرة قبل أسابيع احتجاجا على تصريحات أردوغان المسيئة بحق مصر يتصل أحيانا بمسئولين مصريين ليطمئن عليهم وأنه ما كان يتمنى أن يغادر القاهرة. ما علمته أيضا أن الذين يعارضون تصريحات أردوغان بحق مصر ليس فقط المعارضة التركية العلمانية بل جناح داخل حزبه العدالة والتنمية الحاكم. هؤلاء يرون أن مواقف أردوغان كانت متسرعة جدا، وأن الرجل خسر كثيرا من مكانته السياسية بسبب موقفه الغريب من مصر وثورتها. من العبث أن ننظر نحن المصريين إلى الأتراك باعتبارهم جميعا يتخذون نفس مواقف أردوغان المتشنجة، السياسة لا تعرف المواقف المصمتة والأحادية. أمثال أوغلو لا يمكن التعامل معهم وكأنهم أردوغانيين، وإذا كانت الحكومة التركية تحاول التأثير فى الشأن المصرى فإن القاهرة يمكنها أن تسعى لاستغلال كل ما تملكه من تأثير لتقول للشعب التركى ان ما حدث فى 30 يونيو كان ثورة شعبية، وأن الإخوان أرادوا تغيير هويته واتجاهه لمصلحة تنظيمهم الصغير. تحية إلى الدكتور أكمل إحسان أوغلو ولكل ما يمثله من قيم وعلم وثقافة ورقى وحب بلا حدود لمصر وأهلها وناسها. أمثال أوغلو ومانديلا وليس أردوغان هم الذين يصبحون جسورا حقيقية بين الأمم والشعوب.