فى إحدى قرى الدلتا، ذهب الأهالى قبل فترة إلى خمس عائلات إخوانية تسكن القرية وطالبوهم بمغادرتها بعد تعدد المجادلات والاشتباكات بينهم، خوفا من حدوث صدام كبير. استغربت من هذه القصة التى رواها لى مسئول كبير يعرف القرية جيدا، ثم فوجئت انها حدثت بتفاصيل متقاربة فى قرى ومدن وأحياء ومناطق مختلفة بطول مصر وعرضها منذ 30 يونيو الماضى. كنا نظن أننا نعانى استقطابا سياسيا حادا، لكن الأكثر خطورة هو الاستقطاب المجتمعى الاكثر حدة. الاستقطاب السياسى قد ينتهى فى لحظة عندما يجلس السياسيون معا على الطاولة ويتوصلون لاتفاق، لكن الاستقطاب الأهلى ينذر بعواقب وخيمة قد يكون لها تداعيات اخطر. لم يدرك الإخوان حتى هذه اللحظة خطورة أفعالهم وتصرفاتهم، الذى وصل إلى أذهان كثير من المواطنين أن الإخوان «علوا فى الأرض» خلال فترة حكمهم التى استمرت عاما، وحاولوا التكويش على كل شىء، وكانوا ينظرون لبقية الناس باعتبارهم أقل تدينا. حدث ما حدث وخرج الإخوان من الحكم، وأثناء اشتباكاتهم مع أجهزة الأمن لم يتعلموا الدرس، الذى كانوا يعيبون على المعارضة عدم تعلمه، وهو الاصطدام بالمواطنين العاديين. يخرج الإخوان فى مظاهرات فى شوارع ضيقة بعيدا عن الاعتصامات الرئيسية، فيصطدمون بالناس، وغالبية هؤلاء يعارضهم، أو يعتقدون ان أحوالهم تعطلت جراء هذه المظاهرات. الصدام تكرر فى أماكن مختلفة بأنحاء الجمهورية، وبغض النظر عمن هو المخطئ أو المصيب فى هذه الأحداث، فالنتيجة واحدة وهى تقسيم المجتمع إلى ناس عادية وإخوان. ترسخ هذا المفهوم وتجذره سيضر المجتمع بأسره، لكن الخاسر الأكبر سيكون هم الإخوان وكل من يناصرهم. صار معروفا ان كثيرين من الإخوان لا يستطيعون الكشف عن هويتهم فى مناطق كثيرة، خوفا من تعرضهم للفتك من قبل المواطنين. عندما يتحول شعور وسلوك المواطنين العاديين تجاه الإخوان إلى هذه الدرجة فمن المؤكد أنه يصعب اتهام كل الشعب بأنه صار من البلطجية أو عميلا لأجهزة الأمن المختلفة. الأخطر من كل هذا ان كثيرا من الأطفال الصغار وهم يسمعون نقاشات ومجادلات أهاليهم أو برامج التوك شو عرضا، صاروا يرددون شعارات وأفكارا قد لا يدركون معناها الآن، لكنها ستساهم فى تكوين نظرة متطرفة لديهم عندما يكبرون. أحد الزملاء حكى لى ان ابنته ذات السنوات الأربع تهتف يوميا فى المنزل بشعار «يسقط يسقط حكم المرشد» لانها تكون بجوار والدتها وهى تتابع المظاهرات والأحداث فى الفضائيات. وفى المقابل فان بعض اطفال الاخوان يحملون صور «رابعة» وهم لا يدركون معناها، او الجريمة النكراء التى ارتكبها قادتهم حينما دفعوا بعض الاطفال إلى حمل اكفانهم الرمزية على اياديهم اثناء اعتصام رابعة. شيطنة الإخوان الآن قد ترضى بعض معارضهم، لكنها قد تتحول إلى جرح غائر فى المجتمع يصعب علاجه مستقبلا، أو على الأقل يأخذ وقتا طويلا حتى يبدأ فى الالتئام. العلاج الحقيقى يتحمل مسئوليته الطرفان، جزء تتحمله الحكومة واجهزة الاعلام المؤيدة لها، وجزء اكبر يقع على عاتق الإخوان حيث يتعين عليهم بسرعة اتخاذ قرار حاسم بانهم جزء من المجتمع، وان هذا المجتمع خرج بالملايين ليقول لهم لا. مرة أخرى على الإخوان ان يهدأوا كثيرا ويبدأوا فى مراجعة تجربتهم ويعتذروا للمجتمع عن كل ما سببوه له.