ما الذى يجعل من قرار تقليص المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر قرارا صائبا وما الأسباب التى تجعله قرارا خاطئا؟ سؤال أجاب عنه تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية قبيل إعلان واشنطن، فى وقت متأخر من مساء أمس الأول، عن تجميد تسليم بعض المعدات العسكرية والمساعدات المالية للحكومة المصرية فى انتظار «إحراز تقدم ذى مصداقية نحو حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا». خمسة أسباب مع.. إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما لا تريد وبوضوح للجيش المصرى أن ينفذ انقلابات أو يطلق النار على متظاهرين مدنيين سلميين. أى قرار فى اتجاه تقليص المساعدات معناه أن واشنطن لا تدعم ما يعتبره البعض «انقلابا». تقليص المساعدات الأمريكية لمصر سيعد لفتة جيدة أمام العالم باسم حقوق الإنسان والديمقراطية فى جزء من العالم لا تحظى فيه الديمقراطية ولا حقوق الإنسان باهتمام كبير. وكما قال الكاتب الصحفى مارك لينش داعيا واشنطن لقطع المعونة عن مصر: «اتخاذ موقف هو السبيل الوحيد أمام الولاياتالمتحدة لاستعادة مصداقيتها فى المنطقة». الجيش المصرى تحدى وبقوة، واشنطن مرتين فى ستة أسابيع؛ أولاهما حين قالت الإدارة الأمريكية للجنرالات ألا ينفذوا انقلابا، والثانية عندما طلبت منهم أن يقوموا بقمع المعتصمين. ويفسر هذا باحتمالين، إما أن الجيش لا يكترث بما تفكر فيه الإدارة الأمريكية وإما أنهم لا يعتقدون بأن الأمريكيين جادون فى تهديداتهم. قد لا يغير تقليص المساعدات لمصر الكثير. قد يكون ذلك بالطبع ذا أثر على الحكومة المصرية ولكن تقليص المساعدات أيضا قد لا يكون ذا تأثير على سياسات الجيش المصرى لأن المعونة قد لا تلعب ذات الدور المهم الذى لعبته فى صنع القرار فى وقت اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979. ربما يحدث ما حدث فى مالى عندما علقت الولاياتالمتحدة المساعدات التى تقدمها للبلد الغرب إفريقى بعد انقلاب شهدته البلاد عام 2012. وتخطط واشنطن الآن لإعادة الدعم لمالى بعدما اتخذت خطوات جادة فى سبيل استعادة الديمقراطية. ربما جاءت تلك الخطوات بعيدا عن تأثير قطع المعونة ولكن أيضا ربما شجع القرار الأمريكى الحكومة المالية على اتخاذ الطريق السليم.وستة أسباب ضد.. مصر بلد استراتيجى كبير ومهم، وعلاقة أمريكا باتت على المحك مع الحكومة المؤقتة والجيش فضلا عن نبرة العداء المتصاعدة فى الشارع المصرى ضد أمريكا فى الآونة الأخيرة، لذا من المنطقى أن يعتقد بأن العلاقات الأمريكية المصرية ستزداد سوءا إذا لم تواصل واشنطن إمداد القاهرة بالمساعدات السنوية. سبب أكثر أهمية، هو أن المعونة تجعل للعلاقات الثنائية بين البلدين شكلا مؤسسيا وتجمع المدنيين والعسكريين الامريكيين والمصريين سويا؛ وهو ما يسمح بتطوير علاقات شخصية مهمة على المستوى الدبلوماسى أكثر مما يتخيل كثيرون، مثلما كانت العلاقة بين وزير الدفاع الأمريكى وقائد الجيش الفريق عبدالفتاح السيسى هى السبيل الوحيد للتواصل بين الإدارتين المصرية والأمريكية فى أوائل يوليو الماضى قبيل عزل الرئيس السابق محمد مرسى. دول الخليج الغنية كالسعودية والإمارات ستكون سعيدة بأن تحل محل الولاياتالمتحدة فى دعم الحكومة المصرية حال أن تترك واشنطن فراغا. ولا أحد يعرف إلى أى اتجاه قد يود هؤلاء أن يوجهوا السياسة المصرية الداخلية والخارجية. تقليص المساعدات الأمريكية هو أمر كما يقول الأكاديمى الأمريكى جريجورى جونسون يشبه «رمية واحدة»، لا يمكن تكرارها. فإن قلصت واشنطن دعمها للقاهرة أو اوقفته قد لا تستطيع اللجوء إلى ذات السلاح مرة أخرى. قرار مثل ذلك قد يؤدى إلى عزل مصر دبلوماسيا، فى وقت يشكك الكثيرون فى سياسات الغرب ونواياه، وهذا العزل قد يدفع قادة البلاد لأن يكونوا أقل قلقا من ان يفعلوا أشياء قد تجعل مصر أقرب إلى دولة مارقة. ليس مؤكدا أن تقليص المساعدات العسكرية سيغير بالفعل من حسابات الجيش المصرى. من الواضح جليا أن قطع المعونات الأمريكية لن يغير الحسابات التى رسمها الجيش المصرى. المعركة باتت وجودية بالنسبة للجيش وللإخوان المسلمين، وبالنسبة للجيش فإن إرضاء واشنطن أمر جيد لكنه فى الوقت ذاته قادر على تحمل أى أعباء ستحمله إياها واشنطن جراء قرار بتقليص المساعدات. الشروق