"يُقال دائمآ بأن المصالح تتصالح وهذه حقيقة ثابتة فعندما يتعلق الأمر بالمصلحة سرعان ما تجد المشكلات والخلافات تتنحى بعيدآ ويظهر الحب والمودة والمصالحة بديلًا للاحتقان الموجود". "المصلحة لها مفعول السحر فهى تجعل من أعداء الأمس أصحاب اليوم, وتجعل المتنازعين يتوافقون, وهذه المقولة لا ينحصر تطبيقها على الأفراد فقط بل تشمل الدول والمؤسسات وجميع الهيئات فمن أجل إعلاء المصلحة وتحقيقها تسقط المبادىء والسياسات. أمريكا وثورة مصر هذا الأمر ينطبق بشكل رسمى على مواقف الإدارة الأمريكية فى وضعها الدولى وخاصة فيما يتعلق بالشأن العربى فى المجمل, والشأن المصرى على وجه الخصوص, والتى كانت محطتها الأخيرة أمس حيث خرج الرئيس الأمريكى باراك أوباما, فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة, يهاجم فيها الرئيس المعزول محمد مرسى, وجماعة الإخوان المحظورة, مؤكداً على أن الرئيس المصري السابق محمد مرسي، اُنتخب بشكل ديمقراطي، لكنه لم يستطع أن يحكم كما يجب' - على حسب قوله، وتابع: ' مرسي عجز عن الحكم في مصر, مؤكداً على أن الولاياتالمتحدة والعالم بأسره شعروا بصدمة إزاء سرعة التحول في كل من مصر وتونس، وذلك بعد أن كانت ثورتاهما مبعث أمل للجميع. وأوضح الرئيس الأمريكى على أن الولاياتالمتحدة اختارت أن تدعم أولئك الذين طالبوا بالتغيير، وذلك اعتقادا منها أن هذا التحول سيكون صعبا وسيأخذ وقتا طويلا، معقبا بقوله 'منذ سنوات قليلة، وعلى الأخص في مصر، رأينا كيف كانت صعوبة هذا التحول'. تأتى مرحلة التحول الأمريكى فى الموقف بعد فترة كبيرة من تباين التصريحات والمواقف الأمريكية تجاه ماحدث فى مصر من ثورة 30 يونيو فى خروج الشعب المصرى بأثره ضد نظام الإخوان, حيث وصفت الإدارة الأمريكة الأمر فى أوله بأنه انقلاب عسكرى, وأيضا خرجت تصريحات من أعضاء بالكونجرس الأمريكى ترفض ما حدث فى مصر وتصفه أيضا بالانقلاب معلنة مساندتها للرئيس المعزول وجماعة الإخوان. وغضت الإدارة الأمريكية النظر عن جرائم الإخوان التى تم ارتكابها بحق الشعب المصرى خاصة فيما يتعلق بالأعمال الإرهابية التى تم ارتكبها فى سيناء, وأعمال تخريب وفوضى واعتصامات غير سلمية وإحراق الكنائس وتهديدات جنرالات رابعة لهم بالقتل والنفى والتشريد والعقاب الجماعى وذلك طوال المرحلة التى أعقبت عزل مرسى. موقف الأمريكان بالنسبة لثورة 30 يونيو لم يكن الأول من نوعه تجاه الشأن المصرى, ولكن حدث الأمر إبان ثورة 25 يناير من تمايع للموقف, ومساندتهم للرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك, فى بداية ثورة الشعب ضد نظام الفساد والاستبداد حيث خرجت التصريحات المبدئية تجاه ثورة الشعب بأن العنف لن ينجح في معالجة مظالم الشعب المصري، وقمع الأفكار لا ينجح أبدا في القضاء عليها وأن الحكومات حول العالم واجب عليها الاستجابة لمواطنيها. وقالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن حكومة مصر "مستقرة" رغم الاحتجاجات, فى الوقت الذى طلب فيه أوباما من النظام المصري ترك الفرصة لحرية التعبير وحق التظاهر في مصر وفي نفس الوقت لم يهاجم النظام الحاكم بشكل مباشر حيث أنه دعا إلى إصلاحات من خلال النظام حيث قامت وزيرة الخارجية الأمريكية في خطوة غير مسبوقة بالظهور في 5 مقابلات متتالية في برامج تليفزيونية صباحية الواحدة تلو الأخرى للتعليق على الوضع في مصر, وقد سئلت مرارا وتكرارا أن تعلن عن تأييدها أو معارضتها للرئيس المصري، إلا أنها تحاشت تماما الإجابة وأكدت أن "الولاياتالمتحدة في صف الشعب المصري ونريد مصر ديمقراطية تحترم حقوق شعبها". واستمرت ميوعة موقف الإدارة الأمريكية حتى تنحى المخلوع مبارك ليخرج أوباما ليؤكد على أن الأمريكان إدارة وشعباً مع الثورة المصرية, مؤكدة على أن المؤسسة العسكرية خدمت بلادها بوطنية وبمسؤولية كهيئة تصريف لأعمال للدولة, والولاياتالمتحدة ستظل صديقا وشريكا لمصر، وأنهم يقفوا على استعداد لتوفير أية مساعدات ضرورية تطلب منهم سعيا لانتقال موثوق به إلى الديمقراطية. قائلا:"اليوم هو يوم الشعب المصري. وقد تأثر الشعب الأميركي تأثرا بالغا بتلك المشاهد التي رأيناها في القاهرة وفي عموم مصر نظراً لمن نحن كشعب ونوع العالم الذي نريد لأطفالنا أن يترعرعوا فيه". أمريكا وثورة تونس موقف الأمريكان تجاه مصر وثورتهم هو نفس الموقف مع الثورات العربية وعلى رأسها تونس حيث دافعت الحكومة التونسية عن نظامها في تونس حتى آخر لحظة، واتسم الموقف الأميركي بقدر من التريث والانتباه إلى أن الوضع قلق، لهذا دفعت إلى الصيغة التي تقوم على التخلي عن بن علي ولكنها تمسكت بأن يبقى رجال بن علي في السلطة لقيادة المرحلة الانتقالية، مع إدخال بعض أحزاب المعارضة التي كان معترفاً بها، أي حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقاً) والحزب الديمقراطي التقدمي (الحزب الاشتراكي التقدمي سابقاً) وحزب ليبرالي آخر. ورغم أن أحزاباً مهمة قد لعبت دوراً في الانتفاضة (حزب العمال الشيوعي، وقواعد الحزب الديمقراطي التقدمي)، وكان هناك طيف واسع من الكادر الماركسي المشتت نشاطه في فروع الاتحاد العام التونسي للشغل، وفي اللجان التي تشكلت كتعبير عن "التنظيم الذاتي للانتفاضة"، فإن تشتت القوى الماركسية، والحساسيات التي تحكم العلاقة فيما بينها نتيجة تناقض التكتيكات في المرحلة السابقة من الصراع ضد نظام بن علي، فسح المجال للقوى المساومة لأن تقبل القسمة الجديدة بحماس شديد, فحركة التجديد لم تشارك في الانتفاضة وكانت مواقفها مهادنة إلى أبعد الحدود (مع وجود قوى قاعدية فيها اتخذت موقفاً آخر)، وبالتالي كان طبيعياً أن تقفز الى السلطة حين طُرح عليها ذلك، فهي لا تؤمن بطاقات الطبقات الشعبية، ولم تكن تعرفها أصلاً، وتعتقد بأن مشاركتها في الحكومة سوف يغيّر من طبيعة السلطة أو يحسّن من طبيعة الطبقة المسيطرة (البرجوازية المافياوية( لهذا نجح الحل المطروح أميركياً، وما تحقق هو انفراج ديمقراطي أوسع مؤقتاً وهذه "المؤقتاً" مهمة لأن الطبقة المسيطرة سوف تقضم ما تحقق في المرحلة القادمة)، لكن الأهم هو ثقة الطبقات الشعبية بذاتها، وبدورها، ومن ثم سيكون لذلك نتائج لاحقة في سياق تطور الصراع. الحل الأميركي يعتمد على إيجاد شكل ديمقراطي ينفّس أزمة المجتمع من خلال "الكلام"، لكن هذه روشيتة الثمانينات والتسعينات، وخصوصاً الروشيتة الناجحة في بلدان أوروبا الشرقية وروسيا. أمريكا وثورة اليمن وفى اليمن الوضع لم يختلف كثيراً حيث ظهرت الإزدواجية الأمريكية تجاه الموقف اليمنى حيث أعلن السفير الأمريكي في اليمن عند بدء الثورة أنه لا يوجد حل إلا ببقاء الرئيس اليمني في السلطة و التفاوض معه من أجل تحقيق المطالب الشعبية المنادية بالإصلاح, وقد كان هذا التصريح بمثابة الضوء الأخضر الذي حصل عليه الرئيس اليمني من القيادة الأمريكية والذي قام بعده بتصعيد إجراءات قمع التظاهرات والمتظاهرين في جميع المحافظات اليمنية والتي كان أبشعها ارتكاب مجزرة يوم الجمعة الموافق 18 مارس 2011 والتي راح ضحيتها 52 من المتظاهرين العزل في ميدان التحرير في العاصمة صنعاء. وقد أدى استمرار الأعمال التعسفية وجرائم القتل ضد المتظاهرين إلى تصاعد أصوات المجتمع الدولي المطالبة بتخلي الرئيس عن الحكم ومنددة بأعمال العنف, وقد خرج أوباما أخيرا مناديًا الرئيس اليمني بتسليم السلطة ووقف أعمال العنف والقتل بحق المواطنين اليمنيين العزل. هذا الموقف طرح أسئلة فى أن ما الذي يعطي واشنطن الحق بتحديد مصير الشعوب العربية إذا ما أرادت أن تتحرر من قيد الاستبداد وأن تتبنى منهج الديمقراطية التي تتشدق به الولاياتالمتحدةالأمريكية , ماهى مكاسب واشنطن الحقيقة و التي حاولت حمايتها من خلال دعم الرئيس اليمني؟ أم أن دعم الديمقراطية في بلد مثل اليمن لا يمثل أولوية بقدر تحقيق أولوية واشنطن في مكافحة الإرهاب, ألم يزدهر الإرهاب في عهد الرئيس اليمني ؟ ألم تنمو القاعدة في اليمن في ظل عهده؟ أم أن فتح المجال الجوي اليمني أمام الطائرات الحربية الأمريكية لقصف مقرات القاعدة في اليمن يستحق أن تغض به أمريكا بصرها عن الممارسات الإجرامية والتعسفية لحكم الرئيس اليمني الذي امتد لعقود. أمريكا والثورة السورية لم يتغير كثيراً الموقف الأمريكى من الثورة السورية خاصة حالة التردد والشروع فى الدخول بعملية عسكرية فيها والتى راعت فيها مصلحة إسرائيل ووزن قرارها في السياسة الأميركية، وهنا نستطيع القول وللأسف إن لإسرائيل كلمة قوية حول مستقبل الأوضاع في بلد يجاورها وتحتل جزءً من أرضه، وبقيت جبهته آمنة ومستقرة طيلة عقود، والمغزى هو أولوية ما يمكن أن يترتب على أي تغيير في سوريا على أمن إسرائيل بصفته العامل رقم واحد في التأثير على مواقف الغرب. ويأتى تررد أمريكا فى الموقف السوري لخصوصية الحالة السورية بموقعها الاستراتيجي وارتباطاتها التحالفية ضمن محور نفوذ في المنطقة مناهض للسياسة الأميركية، فلا طاقة لإدارة البيت الأبيض اليوم بتحمل تبعات معركة مفتوحة مع أطراف هذا المحور قد يطول أمدها وتتعدد مواقعها، كما لا يمكنها أن لا تأخذ على محمل الجد التحذير الذي جاء على لسان المرشد الأعلى، علي خامنئي، بأن إيران ستدافع عن حليفتها الإقليمية. بهذا خسرت الولاياتالمتحدةالأمريكية بسبب مواقفها المتباينه ثقة الشعوب العربية حيث أصبحت الشعوب العربية ضد ما هو أمريكى ووصل الأمر لأن قامت أمريكا بإستدعاء السفراء القدامى وتغير الوجوه الأمريكة فى المطنقة العربية وعلى رأسها السفير "باترسون" والتى تم الهتاف ضدها فى ميادان مصر خاصة فى ظل مناصرتها لتنظيم الإخوان, حيث من المنتظر أن تشكل الفترة القادمة تحديا كبيرا لواشنطن لإعادة بناء جسور الثقة بينها وبين الشعوب العربية التي نجحت في إعادة تشكيل الخارطة السياسية للشرق الأوسط ,حيث تسعى جاهدة لأن يكون لها دور في بناء الشرق الأوسط الجديد. يرى د. بدر حسن شافعي, خبير الشئون الأفريقية بجامعة القاهرة, أن موقف الإدارة الأمريكية تجاه ثورة يناير هو نفس المنطق الذى تم إتباعه مع ثورة 30 يونيو وذلك يأتى وفق أنظمة توفيق المصلحة وترتيب الأوراق لخدمة مصالح الإدارة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط. ويقول شافعى أن المصالح الأمريكية المباشرة, تعد عامل أساسى فى محدادت العلاقة بين مصر وأمريكا خاصة أن مصر تعد بؤرة حيوية هامة في الاستراتيجية الأمريكية انطلاقا من موقعها الجيو استراتيجي على اعتبار وجود قناة السويس بها, ومن ثم فهي منفذ هام ليس لدول العالم والدول الأوربية فحسب, وإنما لواشنطن أيضا, وسواء تعلق الأمر بالنسبة للاعتبارات الاقتصادية التجارية, أو الاعتبارات العسكرية "مرور السفن الأمريكية عبر القناة", فضلا عن أن مصر هي إحد الدول الهامة المطلة على البحر الأحمر, والذي طالما لعب دورا هاما في الصراعات الدولية قديما وحديثا. وأشار الخبير الاستراتيجى إلى أن مصالح الأمريكان هى المحدد الأساسى فى أى علاقة بالإضافة إلى وضع إسرائيل باعتبارها الوصي عليها وعلى أمنها واستقرارها بالإضافة إلى معاهدة كامب ديفيد, مشيراً إلى أن الأمر تطابق مع ثورة 30 يونيو خاصة أن الإخوان سعوا نحو تحقيق مطالب الأمريكان وعلى رأسها ترويض حماس وحفظ أمن إسرائيل. فى السياق ذاته يقول السفير محمد العرابى, وزير الخارجية الأسبق:" الأمريكان لا ينظرون أى مبادئ أو غيرها من المصطلحات التى يتم ترديها فى الأوسط الإعلامية والإسلامية وعلى رأسها الديمقراطية ولكن مايهمهم فى المقام الأول هو مصالحهم فى الشرق الأوسط وعلى رأسهم أمن إسرئيل فى المنطقة". وأكد العرابى ل"بوابة الوفد":" لو نظرناً إلى تعامل الأمريكان مع الثورات العربية نرى أنه تنظر لمصلحتها قبل أى مصلحة للشعوب والمثال الأخطر على هذا الأمر هو الثورة السورية والتى ترعى فيها أزمة كبرى من أجل تحديد من سيخلف الأسد" مشيراً إلى أن الأمر ما هو إلا صراع كبار من أجل معرفة ما بعد الأسد". فى السياق ذاته قال عصام الشريف - منسق الجبهة الحرة للتغيير السلمى - أن تراجع موقف أمريكا تجاه الثورات العربية يأتى لعمله الوحيد أن مصلحة بلاده لن تكون إلا مع الشعب وليس مع الحكومات قائلا:" أمريكا تراعى مصالحها فقط ".