اختيار مرشح من مرشحى الثورة هو التحية التى نقدمها للشهداء.. للمصابين.. لشباب رائع سيحمل إلى الأبد أوسمة الثورة. قطع غالية من أجسامهم، قدموهم فداء لبلدهم. ما شهدته مصر أمس وتشهده يومى الأربعاء والخميس 23، و24 مايو 2012 هو عطاء ما أعطوه وعطاء ما أعطاه الملايين من المصريين من صبر واحتمال لقهر وتعذيب وتجريف وحرمان لأكثر من ثلاثين عاما. واختيار مرشح ينتمى للمرحلة التعيسة والسوداء من تاريخ مصر يمثل خيانة للدم ولحق الوطن فى أن يتنفس الحرية والعدالة والكرامة، لكنه اختيار المصالح الخاصة والضيقة الذى للأسف يتقدم اختيارات الكثيرين الآن، أفرادا وجماعات. ■ رغم مضى عام ونصف من التآمر على الثورة، ومن الفوضى المخططة ومن السماح بإهدار دماء المصريين مع سبق الإصرار والترتيب.. حكت لى أستاذة محترمة كيف أن بعض أبنائها فى الجامعة اتصلوا بها يستنجدون من المذبحة التى يتعرضون لها فى ميدان التحرير، والتى أطلقنا عليها «موقعة الجمل» وبالاتصال فى الفجر بمسؤول كبير لإيقاف المذبحة، طلب إبلاغها أن تنام مطمئنة، فلن يأتى الصباح إلا ويكونوا خلّصوا على بعضهم، فليس فى الميدان أكثر من مجموعة من البلطجية ومجموعات من حماس! هكذا كان يرى المسؤول الذى يعرض نفسه للرئاسة الآن شكل الثورة وشكل الميدان، ومن كانوا فى الميدان فى 2 فبراير 2011!! رغم كل ما حدث وما زال. تجلت إرادة المصريين فى ما حدث الأربعاء ويحدث اليوم الخميس فى انتخاب رئيس لمصر، يفرض إرادة الثورة لأول مرة فى تاريخ مصر الطويل والعميق فى أن لا يتم تسليم شعب بأكمله تسليم مفتاح أو تسليم قطيع أو تسليم ميراث لنائب للرئيس كاد يتطور، لولا الثورة، إلى ابن الرئيس. ■ ليس سرا ولكن علانية وعلى رؤوس الأشهاد -الشعوب العربية- أكثرها، وببالغ الإعجاب، تتابع ما يحدث فى مصر. يبدو المصريون فى أعينهم مثل البطل «الشجيع» الفدى الذى تحدى وأسقط قوى خارجية، وكان يبدو أنها تستعصى عن أن تُمس أو تنهار.. الثوار وثورتهم يثيرون إعجاب الملايين، وحلم أن يكونوا مثل المصريين، ودهشة أن المصريين بعد غياب يعودون لإدهاش الدنيا. حقيقة أن اختيار الرؤساء بإرادة حرة من شعوبهم ليست اختراعا جديدا، والممارسات الديمقراطية قطعت فيها الشعوب المتقدمة أشواطا، لكننا نتحدث عن مناطق يحكمها الغيلان والعنقاء، ويغيب فيها تماما الخل الوفى الذى هو الأمان واحترام آدمية الإنسان. نتحدث عن معاقل الاستبداد وتأليه الحكام وتسرطن مؤسسة الفرد والأزلام من صناع الأوثان، هنا فى عالمنا العربى حيث الشعارات والمبادئ تكذب ليلا ونهارا.. هنا فى مصر الثورة صنعت معجزة وأغلب الشعوب العربية تحلم.. تتمنى.. تطل على المصريين ببالغ الإعجاب.. يحسدونهم على المعجزة التى صنعوها، يعيدون قراءة وتصحيح رؤى خاطئة تكونت لديهم نتيجة ما تعرض له المصريون خلال أكثر من ثلاثين عاما من تجريف لثرواتهم ونهب لخيراتهم وتحويل مصر إلى أرض طاردة لأبنائها.. يدركون أن القوة الكامنة فى المصريين لم تتبدد.. يشهدون طوال العام الماضى ونصف العام الحالى صلابة الثورة والثوار فى مواجهة الخفى والمعلن من مخططات إخماد أنفاس الثورة.. أثناء إجراء وقائع الانتخابات بين المصريين فى الدول العربية، اتصل بى مصريون يعملون هناك.. قالوا لى: الأشقاء هنا لا يقلون عنا اهتماما بما يحدث، يرقبون النتائج كأن الفوز لهم، بصدق ومحبة يقولون ستظل مصر قلب الأمة، انكسارها لا قدر الله انكسار لنا جميعا، عودوا لتعود الأمة إلى عنفوانها وعافيتها. ليت البعض هنا داخل مصر، الذين أداروا منذ قيام الثورة مخطط أنه بعد الخلاص من التوريث وإزاحة الوريث يتم تأديب وتهذيب وقصقصة أجنحة الثورة والثوار، ويرى واحد من السيناريوهات المرشحة بقوة للأيام القادمة أنهم يتطلعون الآن إلى فوز قريب منهم، أزالوا من طريقه جميع العقبات ليقوم باستكمال المهمة.. والقرار فى يد المصريين ممن ذهبوا أمس إلى صناديق الانتخابات ويواصلون اليوم.. أن يختاروا مرشحا من بين المرشحين الذين يمثلون الثورة ليحققوا الحلم والأمل القومى فى أن تسترد مصر، قلب الأمة، العافية والقدرة، ولتظل القدوة والنموذج والمثل والصخرة التى تتحطم فوقها كل من وما يجترئ على هذه الأمة، وإسقاط الديكتاتوريات الاستبدادية والعسكرية والدينية. ■ لا يكف المجلس العسكرى والحكومة عن التبشير بما ستكون عليه الانتخابات من نزاهة وشفافية وأسألهم: هل تتحقق النزاهة والشفافية فقط بالنتائج التى تعلنها صناديق الانتخابات أم بما يحدث قبل ذهاب الناخبين إلى هذه الصناديق؟! هل تتحقق النزاهة والشفافية مع ما شاهدناه يتدفق على الانتخابات من إنفاق خرافى يتجاوز الأرقام المصرح بها لكل مرشح؟ أين أجهزة الرصد للأموال ولخريطة تحركات قوى الثورة المضادة، المعلن منها والخفى؟ على شاشة إحدى القنوات ومن محافظة الفيوم، أعلن مواطن أنه من أعضاء الحزب الذى قام القضاء بحله، ومع ذلك أعلن أنه وبقية أعضاء الحزب تمت دعوتهم للقيام بالأدوار التى كانوا يقومون بها فى الماضى من جمع الناس وحشدهم وتوجيههم لانتخاب المرشح الذى يمثل قيادة من قيادات النظا م المخلوع.. وتوالت الأخبار التى لم تتابع بتصحيح أو تكذيب أو إعلان إجراء تحقيقات عن الأموال التى تم تهريبها وأعيد الدفع بملايين منها لإدارة الانتخابات لصالح إسقاط الثورة ورموزها وكذا الملايين التى تدفقت من الداخل من الثروات التى لم تمس رغم وجود أصحابها فى السجون دون صدور أحكام تسمح بمصادرة هذه الأموال التى تديرها الزوجات لصالح المهمة المقدسة «إسقاط الثورة». ملايين أنفقت بجنون وبلا حدود على جميع أشكال ووسائل الدعاية، وملصقات وشعارات غطت وشوهت أغلب معالم مصر، كما لا أظن أنه حدث فى تاريخها مواطنون يذكرون بالأسماء وبالأرقام الملايين التى أنفقت على التجهيز والإعداد لجعل النزاهة مستحيلة، والشفافية لها معانٍ مختلفة تماما، ربما تكون الشفافية فى التلويث والتضليل والخداع وشراء الأصوات وإعادة الاستذلال واستغلال الفقر والأمية. أين الحقيقة فى تدفق ملايين الجنيهات على حملات بعض مرشحى الثورة لتفتيت الأصوات بينهم لصالح مرشح الجماعة؟ ما الأدوار والمهمات التى يؤديها بعض العُمَد ومسؤولى المحليات والمتحكمين فى الأنظمة القبلية والعائلات فى الصعيد، وحقيقة ما نشره «الدستور» (22/5) «التزوير والرشاوى علنا من الإخوان 200 جنيه وصندوق التموين ثمنا للبطاقة وتكدس الغلابة فى جميع شوارع المحافظات والأقاليم»؟! أنزه وأنظف انتخابات فى تاريخنا، لا يحققها عدم تزوير فى اللجان والصناديق، لكن تضمنها المقدمات التى حدثت خلال الشهر الماضى، وكلها تؤكد أن النزاهة والشفافية قتلتا وشبعتا موتا من طول ما ابتذلتا، من فرط ما وجدوا لا مبالاة وعدم تصدٍ لترتيبات استبعاد مرشحى الثورة الذين زادوا الموقف صعوبة على الناخبين بالفرص المتاحة لتفتيت الأصوات. ■ رغم كل التحديات والعقبات التى لا يتوقف زرعها فى طريق استكمال الثورة، لا يخبو ولا ينهزم الأمل فى أن تُستكمل انتصارات الأيام العبقرية الأولى للثورة باختيار الرئيس الأكثر صلاحية بين المرشحين لقيادة هذه المرحلة الأصعب من تاريخ مصر. الرئيس المنتمى للثورة ومبادئها.. الأكثر التصاقا بآمال وآلام المصريين والأقدر على جمع شمل أطيافها السياسية والوطنية. الرئيس الذى يملك موهبة وإبداع احترام اختلاف المرجعية على قاعدة شمول وشموخ المواطنة. ■ أعطِ صوتك لمن لا يعيد استنساخ الماضى بكل آثامه وخطاياه. ■ أعطِ صوتك لرئيس تعرف أنه يدرك حجم جوع وعطش المصريين، للأمان النفسى وللعدالة والكرامة، ولأن يحلموا ويجتهدوا ويحققوا أحلامهم دون تمييز أو قهر. ■ ولإخوة المواطنة وشركاء الوطن من مسيحيى مصر، لا تعطوا أصواتكم لمن يمثلوا مَنْ أداروا بالأمس مأساة تقسيم المصريين ومن حرقوا «القديسين» ومن وفروا الأسباب لاشتعال الحرائق فى النسيج الوطنى الواحد، وأثق بأنكم لن تعودوا للعزلة وراء قرارات الكنيسة مع كل الاحترام لها، وأثق أنكم تفرقون جيدا بين تيارات إسلامية متطرفة، غضب منها قبلكم الكثير من المسلمين، وبين إسلام وسطى يكن عظيم الاحترام للعقائد السماوية ويجعل أخوة الوطن قبل أخوة الدين.