عندما يشتد جمال الكلمات وبريق الوعود والشعارات يلح السؤال: هل سيصدقون أمام اختبارات المصداقية والفاعلية؟ هل ستتحقق وعود التوافق الوطنى وتكامل جميع التيارات السياسية؟ هل لن تعصف نشوة السلطة بالثبات على الأرض؟ هل ستوضع المصالح الخاصة خلف الظهور وتتقدم مصالح وطن؟ هل ستتوارى مآخذ كثيرة مما لونت السياسات والمواقف فى الماضى؟ هل سيدرك حجم التحريات المطروحة على الحاضر والمستقبل؟ هل سينتصر فقه الأولويات ويرسل عاجلا أطواق النجاة للاقتصاد والإنسان الأكثر احتياجا إلى التنمية والتعليم والبحث العلمى والزراعة والصناعة؟ هل سيظل الولاء لنار ونور الثورة ووهجها وطاقاتها تعيد بناء الإنسان؟ هل لن تقام تحالفات نفوذ وسلطة تضع أى جماعة أو مؤسسة فوق القانون؟ هل سيثبت أول برلمان جاء بعد الثورة بانتخابات لها وعليها أنه سيؤدى أمانة استكمال الثورة والحفاظ عليها؟ أسئلة بلا عدد مطروحة على كل مصرى أعطاه الثوار مقعد مسؤولية بعد الثورة فى مجلس شعب أو شورى أو رئاسة الجمهورية.. فلا سبيل لأى عصمة أو مكانة أو منزلة إلا أن يحترم الإرادة الحرة للشعب.. هذه الإرادة التى كان تحريرها وإدراك أنها تستطيع أن تفرض إرادتها أعظم إنجازات ثورة 25 يناير. وأعود إلى عنوان المقال.. نعم مبارك ما زال يحكم مصر ليس من خلال المنطق المغلوط الذى استخدمه الدفاع عنه، وهو منطق يستهين بإرادة الشعب ويزيد نار الفتن المشتعلة بفعل التسامح الذى عومل به الرئيس السابق وأسرته، وبفعل مخططات إسقاط الثورة التى يديرها أعوانه.. منطق لا يقدمه إلا من لم يسمع بقيام ثورة شعب.. ثورة أثارت إعجاب واحترام الدنيا.. ثورة استرد بها المصريون وطنهم وكرامتهم وسيادتهم وكل ما ارتكبه النظام الذى قامت الثورة لتسقطه وتسقط رئيسه، الذى شهد المصريون على عهده أقسى أشكال الفقر والجوع والمرض والاستذلال والاستعباد والفساد والجهل والتخلف.. ذلك الرئيس الذى ارتضينا أن يختصر حسابه فى شهداء ومصابى الأيام الأولى للثورة، ونسينا الملايين من الشباب الغرقى فى مراكب الصيد وعلى شواطئ البحار هروبا من البطالة، والملايين من شهداء الأورام والفشل الكلوى والكبدى، وشاربى المياه الملوثة وآكلى المزروعات المروية بمياه المجارى والقمح الفاسد المسرطن، وساكنى العشوائيات والمنتحرين هروبا من انغلاق جميع بوابات الأمل وفرص الحياة، الذين ذهبوا ولم يعودوا من مقرات أمن الدولة.. الرئيس المحترم الذى كان يهاديه وزراؤه بسبائك الذهب، وشعبه يأكل من صناديق القمامة ويسكن المقابر. مبارك ما زال يحكم مصر ليس من خلال منطق دفاع يتحدث عن شعب آخر غير المصريين ولا ينتمى إلى عذاباته وإلى وقائع حياته التى افتقدت كل مقومات العدالة والإنسانية والرحمة.. ولكن مبارك يحكم مصر من خلال عدم إسقاط وتطهير رؤوس وأذرع نظامه المزروعة فى كل شبر فى مصر، ومن خلال مخططات الفوضى والتخريب التى لم تتوقف منذ قيام الثورة.. ومن خلال ما أطلقه رجاله على المصريين من ميليشيات البلطجة.. أذكر بتصريح لوزير العدل السابق المستشار عبد العزيز الجندى قدر فيه عددهم ب163 ألف بلطجى، قال إنهم معلومون جيدا للأجهزة الرسمية! نعم مبارك ما زال يحكم مصر من خلال تجريف أبسط مقومات الحياة وتحويل المصريين إلى متسولين لحقوقهم الأساسية والأصيلة، وجعلت انفجارات المطالب الفئوية نتيجة طبيعية للتدمير والحرمان والمرتبات غير الآدمية، فى وقت كانت تتجاوز فيه دخول السادة شهريا الملايين، ونتيجة لهدم الزراعة والصناعة وضياع التعليم الحقيقى الذى لم يعد قادرا عليه إلا من يملكون دفع الآلاف والملايين والعملة الصعبة.. مبارك ظل يحكم مصر من خلال المسارات والقرارات الخاطئة التى اتخذها المجلس العسكرى وأسقطت مطالب الثوار وتعمدت تشويه وجه الثورة وقسمت المصريين إلى تيارات وميادين، بعد أن كانت وحدة صفهم من أعظم تجليات الثورة، وهددتهم بالصراع والاستقطاب الدينى وبالتطرف البعيد عن وسطية وعدالة وحضارة واستنارة الإسلام، نظام مبارك يستقوى من خلال تخريب وهدم إنجازات قومية تكلفت بنيتها الأساسية مئات المليارات، كما حدث أخيرا فى جريمة السماح بتخريب موقع المحطة النووية فى الضبعة لإحياء الحلم القديم بجعلها مشروعا سياحيا، وكما أكد الأهالى فى تصريحات نشرتها «الأهرام» على صفحتها الأولى أنهم ما كانوا يستطيعون اقتحام الموقع لولا التسهيلات التى رتبت لسهولة اقتحامه وتدميره وسرقة خزائن بها مواد مشعة، ويعلم الله وحده إلى أين ستمتد الأخطار، كما يعلم إلى أين ستمتد الكوارث إذا ظل النظام القديم ورؤوسه ورموزه وأعوانه وذيوله يعششون فى مؤسسات الدولة ويملكون حرية أن يدمروا ويخربوا كما يشاؤون، إلا إذا كنا نتوقع المستحيل أن يهادنوا الثورة ويتحولوا إلى مؤيدين لها؟! إننى لا أرى تفسيرا لما أشيع عن المخاطر التى تتهدد خروجنا إلى التحرير وإلى جميع ميادين مصر، إلا أن تكون تنفيذ مخططات هذا النظام لحلقة جديدة من حلقات التخريب وضرب الثورة والثوار. إن منطق الدفاع المغلوط عن الرئيس السابق أكد أنه لا إنقاذ للثورة إلا بتفعيل شرعيتها وأن تكون أول مهمات نواب الشعب ترجمة هذه الشرعية فى قوانين تطهر مصر تطهيرا حقيقيا، وتحاكم النظام ورئيسه ورؤوسه وقواه المدمرة، على ثلاثين عاما من تدمير وطن وقتل وإبادة الملايين من أبنائه وتجريف وإهدار ثرواته الطبيعية والبشرية، وأيضا المسارعة بتثبيت أركان الدولة المدنية الديمقراطية وتسليم المجلس العسكرى التى كلفه بها رئيس أسقطته الثورة وأسقطت معه جميع سلطاته وصلاحياته فى أن يكلف العسكرى أو غير العسكرى! المنطق المقلد للدفاع يؤكد ضرورة إقامة تكامليات وآليات شرعية الثورة وحكم الشعب، وحتى لا يطالب بحكم مصر جميع الطيور الجارحة لأن نسور مصر الشرفاء وفرسانها النبلاء ومحاربيها المحترمين لا يتحولون إلى لصوص وقتلة ومخربين! أيضا المحاربون النبلاء يتمسكون بإقامة القصاص العادل على من ارتكبوا هذه الجرائم، ولا يسمحون بإطلاق قوى الثورة المضادة تغتال الثورة وتهدد دماء وتفقأ عيون الآلاف من أنبل وأعظم شباب مصر، وبما يجعل استمرار الثورة وتأكيد استمرار شرعية ميادين التحرير فى مصر كلها بالخروج أمس الأربعاء 25 يناير، والثورة تستقبل عاما جديدا من عمرها ضرورة حياة وإنقاذ لتأكيد أن الثورة مستمرة لتحقيق أهدافها التى لم يتحقق منها هدف واحد، حرية.. عيش.. كرامة.. عدالة اجتماعية، ولاستكمال إسقاط النظام القديم واستئصال أورامه وأعوانه وخدامه وإعادة تشييد مصر العظيمة التى قامت الثورة من أجلها. ■ تحية لجميع شركاء إبداع الفيلم التسجيلى «اسمى ميدان التحرير».. إنه وثيقة وطنية رائعة تقدم نموذجا لإعلام الثورة الذى كان يجب أن يضىء مجمل الرسالة الإعلامية فى جميع إعلام الشعب، تحية لقناة «النيل للأخبار» ولجميع شركاء إبداع هذه الوثيقة الوطنية التى أكدت أنه لا يمكن أن يهزم شعب يمتلك مثل هذه الإرادة.. ولماذا كان يجب أن ينفجر هذا الحدث العظيم وأن الشرعية الوحيدة التى ستحيا وستنتصر هى الشرعية المستمدة من الثورة.