يرصد الكاتب المصري محمد إسماعيل جاد في مجموعته القصصية "لضم الإبر" تفاصيل صغيرة بأسلوب هامس. و لتلك التفاصيل دلالة مهمة في الربط بين الأشياء وسلوك البشر واحتيالهم للاستمتاع بالحياة والهروب من مواجهة السلطة. ففي قصة "عازف الناي" التي تتكون من 30 سطرا يربط بين مرور عازف الناي بإحدى الحارات كل ليلة وتقديمه لحنا واحدا لم يتغير منذ سنوات والقدرة الجنسية للرجال حيث يتابع الراوي بهجة النساء في الصباح حيث يتباهين بإفراغ مياه الاستحمام أمام البيوت. وفي الصباح يخرج الراوي من الحارة ويكون أشبه براقص باليه يحاول تفادي ملامسة حذائه لمياه الاستحمام إلى أن غاب عازف الناي وغابت معه البهجة "فمنذ اختفائه لم يبلل حذائي بالماء المخلوط بالصابون..." و"لضم الإبر" هي المجموعة القصصية الأولى لجاد الذي أصدر في السنوات الأربع الماضية ديوان شعر بالعامية المصرية وروايتين، والمجموعة التي تقع في 96 صفحة من القطع المتوسط صدرت في القاهرة عن دار "الأدهم للنشر والتوزيع". وتتناول بعض القصص طرق الضعفاء للهروب من مواجهة سلطة قادرة على البطش بهم كما في قصة "دبوس الصول محمود" وهو ضابط صف كاد يتعرض للمحاكمة العسكرية بسبب خطأ في أداء عمله ولكنه تمادى في تكرار الخطأ لدرجة أهلته للحصول على ترقية. ومحمود قائد فرق الموسيقى العسكرية ويمسك بثقة "الدبوس" وهو عصا خشبية يعلوها تاج الملك مثبت في قمتها وكان محمود ماهرا في رمي العصا في الهواء ثم التقاطها بخفة فينال تصفيق الحاضرين الجالسين في المنصة وفي مقدمتهم الملك وضيفه البريطاني/ وفي هذه المرة وقعت العصا -المثبت في قمتها تاج الملك- على الأرض وتعالت الهمهمات بما ظنوه إهانة للملك. ولكن محمود الذي أصابه الرعب من العاقبة تقدم بثقة والتقط العصا ووقف أمام الفرقة الموسيقية وظل يرمي العصا ويلتقطها وسط عجب الملك والحاضرين الذين تأكد لهم أنه سيحاكم عسكريا بتهمة رمي تاج الملك على الأرض، إلا أن محمود فوجئ بترقيته لرتبة ضابط "ملازم" بسبب تأويل سلوكه إذ أوعز الضيف البريطاني للملك بوجود "معان سامية... أنه مهما وقع تاج الملك على الأرض.. فهناك جيش قوي يستطيع أن يرفعه مرة أخرى لمكانته ورفعته" ثم أصبح رمي التاج تقليدا توارثته الأجيال. ولا يميل المؤلف للثرثرة ويؤمن بأن الإبداع هو الحذف لا الترهل وهو في مسعاه يثق بذكاء القارئ وقدرته على الاستمتاع بقصة لا تزيد على 15 سطرا مثل القصة التي وضعها عنوان.