حوار:عبدالهادى عباس إن فرط استعمال اللغة النفسية فى السياسة يُبعدنا كثيراً عن التقييم الصحيح لحركية الوعى الشعبى سلبا وإيجابا ..هكذا بدأ د. يحيى الرخاوى أستاذ الطب النفسى حديثه مع بوابة أخبار اليوم وإلى نص الحوار:
*هل عادت روح الكآبة تسيطر على المصريين رغم انتخاب الرئيس بعد أن تحسنت قليلاً أثناء الثورة؟ **أنا أرفض استعمال تعبيرات مثل الاكتئاب أو روح الكآبة فى مجال السياسة والإعلام بهذا التواتر، ولا أعرف كيف تصدر مثل هذه الأحكام حتى من بعض المختصين زملائى بمثل هذه السهولة، وما فائدة ذلك، إن الذى ظهر فى الأيام ( أو الأسابيع الأولى ) لمشروع الثورة، لم يكن مجرد تحسن فى روح الكآبة، إنه الشعور بالكرامة وإحياء الأمل والثقة بالقدرة الجماعية، وهذا وصف مباشر ليس فيه مصطلحات نفسية خاصة، إن فرط استعمال اللغة النفسية فى السياسة، يبعدنا عن التقييم الصحيح لحركية الوعى الشعبى سلبا وإيجابا. *ما هو التفسير النفسى لحالات التناطح السياسى بين القوى السياسية الموجودة على الساحة الآن وهل تعتقد أن هذه النخبة تريد مصلحة مصر أم تبحث عن مغانم فردية خاصة؟ **مرة أخرى تسأل عن "التفسير النفسى" يا سيدى: التناطح السياسى هو السياسة، الاختلاف النشط بين الفرقاء علامة حيوية وهو دليل يقظة، فلماذا نسميها تناطحا، إذا انقلب الاختلاف فى الرأى وفى البرامج السياسية، وفى التوجه الوطنى، وفى المواقع الشعبية إلى معارك شخصية سلبية، يمكن أن يسمى ذلك تناطحا، وهو ما لا ألاحظه بشكل غالب. *هل نستطيع تحليل الحالة النفسية للرئيس مرسى الآن أم أن ذلك يحتاج إلى وقت أكبر حتى نستطيع أن نحصل على معلومات أكثر دقة؟ **حالة الرئيس النفسية هى هى حالته الرئاسية هى حالته المصرية: هذا فلاح مصرى فقير مجتهد، أكاديمى ناجح، متدين حسن النية، قليل الخبرة السياسية، يثق في من حوله أكثر من اللازم، وأحيانا دون تمييز، يحاول أن " يرضى جميع الأطراف "، وهذا عيب وليس ميزة. حكاية رئيس كل المصريين لا تعنى إرضاء كل المصريين، وإنما تعنى حمل مسئولية كل المصريين، حمل هم كل المصريين، رعاية كل المصريين، أما الإرضاء والتسويات التنازلية والرشاوى بالوعود، أو الاستجابة لطلبات الفئات الواحدة تلو الأخرى دون حسابات شاملة مسئولة، فينبغى أن يتوقف كل ذلك بأسرع ما يمكن، وأن نظل نحترم الاختلاف ..أما مسألة الانتظار للحكم على من هو الرئيس لنحصل على معلومات أكثر دقة، فهذا أمر غير وارد. *رغم وجود رئيس منتخب ديمقراطيًّا لأول مرة فى مصر؛ إلاّ أن هناك من يسعى إلى إفشال التجربة لاختلاف التوجه السياسى ..ما تعليقك؟ **لا أظن أن أحداً يسعى لإفشال التجربة، لمجرد الإفشال، ثم إنه لا أحد جاهزا بقدر كاف لتولى المسئولية حاليا ببرنامج بديل قادر، وبالتالى لا ينبغى أن نقرأ رصد الأخطاء للرئيس أو معاونيه على أنها إفشال، إن الرئيس يحتاج أن يعرف أخطاءه بقدر ما يحتاج أن يعرف إنجازاته، ولا أظن أن أعدى أعداءه يتمنى له الفشل على طول الخط لأن فشله هو فشل مصر، وفشله يعنى أننا سنواجه بمخاطر بداية جديدة، ونحن فى حال لا تسمح برفاهية التغيير بهذه السرعة على حساب حاجات الناس الضرورية. *مع وجود التحالفات الشعبية والليبرالية الجديدة.. هل تعتقد أنها تستطيع أن تصمد للإخوان والسلفيين خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ **للأسف هذه التجمعات تحتاج إلى وقت حتى تنصهر معاً فى توجه ضام، حتى يظهر أثر ذلك فى لحظة امتحان الصناديق، أنا أتصور أنه قد ترجح كفة الاخوان أمام الصناديق حتى لو بدت غير ذلك بعيدا عن الصناديق، لأن الأمور قد تنتقل من تقييم سوء الأداء، إلى العودة إلى التلويح بالترهيب والترغيب الدينى، الأمر الذى من السهل أن يستدرج إليه الوعى الشعبى الساذج والطيب دون حسابات المكسب والخسارة على أرض الواقع. *ما رأيك فى مسودة الدستور وهل تعتقد أنها جاءت معبرة عن طموح الشعب المصرى بعد الثورة؟ **أنا لا أتابعها بالتفصيل، ولا أعتقد أنها سوف تجئ بجديد يليق بكلمة ثورة أو حتى يتناسب مع كلمة معاصرة، وأتصور أن دستور 1923 ، وحتى دستور 1971 الأصلى بعد إزالة التشويه الذى لحقه مؤخرا، كان يمكن أن يكون كافيا مع ترشيد التطبيق، ولا تنس أن دور المحكمة الدستورية العليا الرائع فى الأشهر الأخيرة جرى بمواد قانونية دستورية بشكل رائع دون انتظار هذا الدستور تحت الإعداد، إن وضع دستور جديد، وفى نفس الوقت قصر عمر الممارسة الحقيقية لدولة القانون ودولة المؤسسات، ودولة الانتاج هو ضرورة ينبغى أن تؤخذ فى حدود الضرورة فقط، الدول لا تتغير بكلمات على الورق، وإنما بالممارسات العملية والتعلم وتنمية الوعى على أرض الواقع. * تراجع الرئيس مؤخراً عن عدد من قراراته الرئاسية منها عودة البرلمان وأزمة النائب العام.. هل ترى أن هذه القرارات تؤثر فى ثقة الشعب بالرئيس؟ **طبعا تؤثر إذا قرأها الناس على أنها تدل على أنه مهزوز، أو على أنه متأثر بالمحيطين به "بالدور"، فيصدر قرارا بناء على اقتراح أحدهم، ثم يأتى مستشار أو معاون آخر ينبهه إلى خطأ قراره فيرجع عنه وهكذا، هذا الموقف المهزوز لا يرضى أحداً، لكن إذا قرأ الناس مثل هذا التراجع على أنه دليل على قدرة الرئيس على العودة إلى الحق، والتعلم من الخطأ، فيكون مثل هذا الموقف لصالحه لأنه يُخرجه من فصيل الذين قال الله فيهم " إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم " إن التراجع له معناه الإيجابى وهو أنه لا تأخذه العزة بالخطأ أو بالإثم وأن المسألة ليست عنادا وركوب رأس، ولكنها مسئولية وحسابات متجددة باستمرار. *سمعنا بعض التصريحات من إرهابيي رفح وانتشر التكفيريون حتى اتهموا الرئيس نفسه بالكفر.. كيف تقرأ المشهد المصرى القريب وسط هذا الضباب الفكرى؟ **يوجد كلام كثير حول دور " القاعدة " فى الربيع العربى كله، دون استثناء مصر، ليس فقط القاعدة، وإنما حماس، وإخوان سوريا وكلام كثير لابد أن نضعه فى الاعتبار حتى ولو كان كله نتيجة للتقليد التآمرى الذى هو جزء لا يتجزأ من حقنا فى الحذر للدفاع عن أنفسنا، المصيبة أن هذا الهمس الجارى الذى له أصل حتما يضع أمريكا التى تزعم أنها ضد القاعدة كمحرك أساسى لتفكيك المنطقة دون الانطلاق إلى البناء بعد التفكيك، وأنا لا أرفض هذا الاحتمال بصراحة، لكننى لا أروجه مع أنه قد يفسر جزئيا ما حدث فى ليبيا أو فى تونس مؤخرا، وحتى فى سوريا الآن، ومصر ليست استثناء، وحين نقول القاعدة فنحن لا نستبعد المصريين المنتمين لهذا التنظيم أو ما شابهه، وقد تركزوا فى بعض سيناء ولا أقول فى سيناء، ونظرا لقرب سيناء من غزة ومن اسرائيل فإن الأمر يحتاج منا إلى يقظة أكبر وحذر أشد وعلينا ألا نستهين بهذا الاحتمال وخاصة إذا صدقنا أن القوى المالية العالمية قد تكون وراء كل هذا التفكيك وهى تستعمل القاعدة وما يقابلها فى عملية التفكيك الشاملة للمنطقة تمهيدا لترسيخ التبعية الاقتصادية ولإرساء قواعد الدولة المالية العولمية الواحدة لنصبح تابعين ورعايا فى وطننا لا مواطنين مستقلين نتعامل معهم معاملة الند. * هناك من يعتقد أن لدى الرئيس رغبة داخلية فى التملص من شِباك الإخوان.. كيف ترى ذلك؟ **أنا لا أعتقد ذلك، ولا أرى أية علامات تشير إلى ذلك، ولا أوافقه على مثل هذا التوجه إن صح أنه عنده، الرئيس إخوانىّ حتى النخاع وهذا لا يعيبه، بل إنه ينبغى أن يفخر به، وأن يؤكد انتماءه لمن كان سببا فى توليه هذا المنصب، دون أن يؤثر ذلك على التزامه بالعدل المطلق فى الحكم، أى دون تمييز أى منهم بميزة شخصية أو فئوية لمجرد أنه من الإخوان. *كيف ترى مستقبل الحرية الصحفية والإبداعية على ضوء إقالة رئيس تحرير الجمهورية من قِبل مجلس الشورى؟ **موضوع هذه الإقالة كان فيه من الإهانة والتجاوز أكثر مما فيه من الخطأ، صحيح أن الجيش بالذات، وهو درع الأمة وحارسها الأمين، لا ينبغى أن تُتَداول أخباره حتى الصحيح منها بهذه السطحية والعجلة، فهو خطأ مهنى كان ينبغى أن يعامل فى حدود ذلك مع الاعتذار الواجب للجيش..أما مستقبل الإبداع فلا خوف عليه، فالمبدع لا يستطيع إلا أن يبدع مهما تأخر نشر إبداعه. * هل تعتقد أن هناك محاولات لأخونة مؤسسات الدولة المدنية..وهل ستنتصر هذه المحاولات أم أن الهوية المصرية ستكون غالبة؟ **الخوف كل الخوف هو أخونة الجيش والبوليس أساسا، وكذلك الخوف من اللعب فى مقررات التعليم، وهذا وارد، وقد ظهرت له علامات ليس فقط فيما يتعلق بتعيينات المسئولين، ولكن أيضا فيما سمعت بالتوصية بحث أبناء الإخوان على الإقبال على تلك المؤسسات الحساسة.