ما إن صمت رصاصُ ذلك الحادث المروع، الأحد 15 ديسمبر 2025م، وانقشع غباره، حتى تجلّت أروعُ قصص البطولة والفداء على مرأى ومسمع من العالم أجمع، والتي كانت السبب الرئيس والوحيد في كتابة آخر حروف تلك الفاجعة عندما تصدى، وفي بسالةٍ لا حد لها، ذلك الفتى العربي المسلم «أحمد الأحمد»، ذو الأصول العربية، لأحد مجرمي حادث شاطئ «بونداي» بمدينة «سيدني الأسترالية»، والذي راح ضحيته ستة عشر قتيلًا، وعشرات الجرحى، ممّن كانوا يحتفلون بعيدهم اليهودي «الحانوكا». تصدى له عاري الصدر دون سلاح، ودون أن يأبه لخطرٍ قد يكلفه حياته هو، ودون أن ينتبه لحال زوجته وصغيرتيْه من بعده، ودون أن يبرر لنفسه عدم إقحامها في الأمر، حسب ديانة المعتدَى عليهم، وما يكتويه أبناءُ عروبته وديانته من أبناء ديانتهم هناك في غزة منذ أكثر من عامين، بل ما يُقترَف في حق بلده (سوريا) من جرائم على أيديهم هناك، من احتلال للجولان والقنيطرة وجبل الشيخ وتدمير لمقدراته وقدراته الإستراتيجية هناك، وانتهاك لسيادته صباح مساء إلى غير ذلك من جرائم. انقضّ (أحمد الأحمد) دون أن يخطر بباله ذلك كله، وإنما شغله فقط منعُ نزيف الدماء هذا، منع إزهاق الأرواح المسالمة تلك، منع وأد تلك البسمات والضحكات المرسومة على تلك الشفاه، وتلك الفرحة التي تملؤهم دون وجه حق. ربما كان هذا وحسب هو ما قفز إلى ذهنه حتى انقض على ذلك المجرم كالأسد الهصور. انقض «أحمد الأحمد» على أحد المجرمين دون أن يجد له مبررًا على صنيعه هذا مطلقًا، دون أن يفتش عن دوافعه إلى ارتكابه ذلك، فقط انقض عليه وكأن عينه وعقله وقلبه، وحواسّه قد توقفت عن سماع أو رؤية أو إدراك أي تبرير أو تفسير خارج فعله هذا؛ فكانت شجاعته مذهلة، وجرأته درسًا عمليًّا لمَن أراد درسًا فيها، ونُبله نادرًا قاطعًا بأن التعايش والتراحم بين الناس على اختلاف صورهم وأجناسهم ومعتقداتهم ليس جائزًا فحسب وإنما هو واقع ممكن وملموس. لطالما شنّ نتنياهو هجومًا شرسًا على حكومة (سيدني) لانتقادها علنًا حربه على غزة، ولتلك المظاهرات المليونية التي تجتاح شوارع سيدني -والتي لم تهدأ لحظة- دعمًا لغزة، ورفضًا للمجازر الحاصلة فيها. ثم اشتد أُوارُ هجومه عليها لا سيّما عقب اعترافها -ضمن دولٍ وازنةٍ- بدولة فلسطين في (سبتمبر 2025م) خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. ثم نراه اليوم، وفي شماتةٍ سافرةٍ، لا تنبئ إلا عن خسّةٍ ونذالةٍٍ، ومن فوره، يواصل هجومه على (سيدني) إثر ذلك الحادث المفجع في (بونداي)، مُحمّلًا إياها المسئولية عن وقوعه. لم يفوّت نتنياهو تلك الفرصة ليذكّر العالم بحجّته الأثيرة، والتي لم تُخطئ هدفها يومًا، ألا وهي "معاداة السامية". ذلك العالم الذي انقلب على نتنياهو، ومن ثمّ إسرائيل، ولفظه له واعتزاله جرّاء جرائمه في غزة؛ حتى بات كالبعير الأجرب تطارده مذكرة التوقيف الصادرة بحقه، وحق وزير دفاعه (يوآلف جالانت) من الجنائية الدولية باعتبارهما مجرمي حرب. اقتنص نتنياهو ذلك الحادث الأثيم ليبرر للعالم جرائمه في غزة، مرددًا ذلك في كل محفلٍ ولقاء؛ إذ يُظهِر اليهود وكأنهم مضطهدون مُطاردون من العرب بل من المسلمين جميعًا. جميعهم ينصبون لهم الكره والعداوة، ليس هذا منذ (السابع من أكتوبر 2023م) كمثال صارخٍ على ذلك، على حدّ زعمه وحسب، وليس في محيطهم الجغرافي، كبقعةٍ جغرافيةٍ صغيرة وسط عالم عربي مترامي الأطراف ينصب لهم العداء، مثل قلمٍ ضئيل صغير بالقياس لمكتب ترمب البيضاوي الضخم، وفق رؤية ترمب هو الآخر وتصوّره. ليس هذا فحسب وإنما ينصبون لهم العداوة والبغضاء أينما وُجد اليهود فوق أي أرض وتحت أي سماء، وفي كل وقتٍ وحين، وما حادثة ( شاطئ بونداي) اليوم إلا أحد الأدلة على ذلك، وفق زعم نتنياهو وادّعائه. معاداة السامية تلك الدجاجة الذهبية، والسيف المسلط -في آنٍ- من قِبل نتنياهو، بل بالأحرى من قِبل الصهيونية العالمية، والتي لطالما ابتزوا بها الدول والحكومات وحتى الشعوب، ولا يزالون، أفسدها عليهم اليوم (أحمد الأحمد)، العربي المسلم. معاداة السامية تلك الطبخة المسمومة، والتي طُبخت على مهلٍ من قِبل نتنياهو وأسلافه أطعمهم إياها اليوم (أحمد الأحمد). معاداة السامية تلك الكأس المسمومة من قِبل نتنياهو وأسلافه أجبرهم على تجرّعها اليوم (أحمد الأحمد). من أبعد نقاط الأرض، ومن على شاطئ (بونداي) اليوم، وبدفاعٍ فطري غريزيّ من إنسان عن أخيه الإنسانٍ، دونما نظر لجنسه ولونه ولسانه ومعتقده، تسقط كلُّ الأكاديب والادعاءات الصهيونية، وأن مقولة "معاداة السامية" ما هي إلا فِرية اختلقتها العقلية الصهيونية لابتزاز العالم، ونهب مقدرات الشعوب. تلك المقولة التي كذبها اليوم ( أحمد الأحمد). بل، واقع اليهود أنفسهم؛ إذ كانوا يعيشون في كنف العرب والمسلمين لعقودٍ بعيدة من الزمان، إخوة متحابّين متجاورين. وفي جوار إخوتهم المصريين، وهو ما أكده الرئيس السيسي لأنتوني بلينكن، وزير خارجية أمريكا السابق، منذ نحو العامين (2023م)، خلال لقائه به. بل واقع اليهود أنفسهم ولقرونٍ عديدةٍ جوار إخوتهم الفلسطينيين في فلسطين كوطنٍ واحدٍ يجمعهم يقطع بذلك. ليكون السؤال، وفي الأخير: مَن المُعادي للسّامية، وحتى للإنسانية، نتنياهو أم أحمد ؟!