■ بقلم: حنان شومان الحمد لله الذى حمى مصر على مر العصور من الحرب الأهلية، فأهلها عرفوا الثورات وقيام الهوجة كما كانوا أحيانا يطلقوا عليها، وعرفوا الثأر والخلافات أحياناً لكنهم أبدا لم يعرفوا ولم يمارسوا حرباً أهلية، ولكن للأسف هاهى الحرب الأهلية تشعل جوانب مصر والسبب ليس طائفيا ولا سياسياً ولا أى سبب من أسباب قيام الحروب الأهلية كما يعرفها العالم، لكن السبب «الست» فيلم سينمائى مدته ثلاث ساعات هو الذى أشعل فى مصر الحرب الأهلية، فالأمر تعدى رأى تجاه فيلم بين معجب أو غير معجب إلى رمى البعض بالخيانة أو كره مصر أو نعت من لم يعجبه بأنه لجنة ممولة لهدم الفن، وعلى الجانب الآخر يقول مهاجموه إن صناع الفيلم يهدمون رموز الوطن، وهكذا سجال وعراك يصل إلى تقطيع الهدوم وشق الجيوب والحناجر... ولكن الأمر بالنسبة لى وكما كنت أتمنى أن يكون كذلك بالنسبة لكل مشاهديه سواء أحبوا الفيلم أو كرهوه . كما كنت أتمنى بالتحديد من كاتبه أحمد مراد الذى ظهر كثيراً ليدافع عن فيلمه أن يصمت، لأنه كلما تحدث أشعل نيران الحرب أكثر وأكثر فيضيف إلى خطاياه فى الفيلم خطايا فوق الخطايا، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. ودعنى عزيزى القارئ قبل أن نتحدث عن الفيلم نتفق على قاعدة تقول إنه ليس هناك من فيلم أو كتاب أو مقالة أو أغنية قادرة على هدم وطن أو رمز وخاصة إن كان هذا الرمز بحجم وقيمة أم كلثوم... ولذا فلننحِ الحرب جانباً ونتحدث عن فيلم سينمائى مدته أكثر من ثلاث ساعات.. يقول الأفيش إنه يحكى عن الست أم كلثوم، مطربة عاشت طويلا وعاصرت حقبا مختلفة فى هذا الوطن الصغير والكبير، فهل نجح الفيلم فى أن يحكى قصتها أو يأخذ جزءا منها؟ لا أظن .. فمنذ المشهد الأول فى الفيلم نحن أمام عناصر فنية مبهرة صورة، إضاءة، تصوير، ديكور، وكل تلك العناصر للأسف لم تنجح فى إنقاذ حكاية يريد أن يحكيها كاتب السيناريو الذى بدا أنه قرر أن يأخذ من كل فيلم أغنية أو من كل حته حته ... فأى فيلم هو فى الأصل له عمود فقرى كالبشر، وعموده الفقرى هو الحدوتة وكيف يحكيها الفيلم وما الهدف منها، وقد سمعت أحمد مراد يقول إنه أراد أن يُظهر أم كلثوم كست حرشة، أى والله هكذا قال صوتا وصورة، وطبعا من حقه أن يرى أم كلثوم كست حرشة ولكن حتى هذا الهدف لم ينجح فيه، فقد قدم لنا أم كلثوم كشخص وبطلة منقطعة عن عالمها، فلا هو التزم بتاريخ وقراءة لمسيرة عريضة، ولا هو حلل شخصيات وجعلنا نكره أو نحب أو حتى نتعاطف مع شخصياته التى قدمها وطبعا على رأسهم أم كلثوم، والقاعدة الفنية الأهم فى أفلام السينما أن تخرج بعد المشاهدة محبا لبعض شخوص العمل أو كارها لهم أو متعاطفا معهم أو مفكرا فيهم، وللأسف فيلم الست خرجت منه بلا حب أو كره أو تعاطف أو تفكير، وهذه أزمة سيناريو يقال عنه بالإنجليزية bits and pieces ، أى قطع صغيرة من كل شيء لتركب بها صورة أكبر. مروان حامد مخرج الفيلم استعرض قدراته بكل العناصر، ولكن لأنه رب العمل فلا أستطيع أن أعفيه من سقطات السيناريو المهلهل. هشام نزيه واضع الموسيقى موسيقار موهوب فى المطلق ولكنه أخفق فى الموسيقى التصويرية للفيلم، فكيف بفيلم يحكى عن سيدة الغناء العربى ويمزج مع موسيقى عظماء التلحين العربى موسيقى شاذة مزعجة، إلا لو كان غرضه هو الآخر ككاتب السيناريو أن تكون الموسيقى حرشة!! نأتى لأكثر من نالتهم رصاصات الحرب الأهلية البطلة منى زكى... منى ليست فقط ممثلة موهوبة ولكنها ممثلة تعمل وتجتهد على مدى مسيرتها فى تعزيز موهبتها، ولا أنكر شجاعتها فى قبول هذا الدور ولا أنكر أيضا اجتهادها فى حدود ما قدمه لها السيناريو، لأن الممثل فى النهاية هو أكثر من ينطبق عليه المثل القائل: اطبخى يا جارية كلف يا سيدى، فالممثل هو الجارية والكاتب وفوقه المخرج هما السيدان، ولم يأتِ الكاتب ولا المخرج فى فيلم الست بمتطلبات كافية للطبيخ رغم أن الجارية (منى زكى) حاولت بما قدماه أن تقدم أفضل ما لديها، أما بقية النجوم فى الفيلم فكانوا كالشهب التى تضيء الظلام أحيانا رغم أن الاستفادة منهم كانت محدودة بلا ملامح، فالمشاهد يحب مثلا كريم عبدالعزيز فى المطلق فيبتهج بوجود كريم وليس شريف باشا صبرى الشخصية التى أداها. فيلم الست وإن كان أشعل نيران الحرب الأهلية فى مصر، وبعض المحيط العربى إلا أنها حرب ستنتهى وتخمد نيرانها بعد حين، وستظل أم كلثوم تصدع وتغنى لنا ولأجيال ربما قادمة، وربما سيأتى يوما كاتب أكثر موهبة وأعمق فكرا ومخرج أكثر حرصاً على المضمون من الصورة يحكى عن سيدة استثنائية فى تاريخ وطن وصوت احتار فى تقييمه العالم.