في مشهد ثقافي يجمع بين الأصالة والتجديد، فتح المتحف القومي للحضارة المصرية أبوابه للاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، عبر فعالية ثرية أعادت تسليط الضوء على العربية بوصفها لغة حضارة وفن وجمال، وجسرًا حيًا يربط الماضي بالحاضر. نظّم المتحف القومي للحضارة المصرية فعالية ثقافية وفنية متميزة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية تحت شعار «إرث يتجدد بخط يتألق»، وذلك بالتعاون مع سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة، وجمعية أصدقاء المتحف، ومشيخة الأزهر الشريف، والمجمع اللغوي، وعائلة صوفي زاده، في تأكيد واضح على المكانة المحورية للغة العربية كأحد أعمدة الهوية الثقافية والإنسانية. اقرأ أيضًا.. المتحف القومي للحضارة يجمع أوزبكستان واليونسكو على مائدة التراث وتأتي الفعالية ضمن رسالة المتحف بوصفه مؤسسة ثقافية وتعليمية تسعى إلى نشر الوعي بالتراث المصري وتعزيز قيمه الحضارية، مع التأكيد على دور اللغة العربية كوعاء للهوية وذاكرة للأمة عبر العصور. وافتُتحت الفعاليات بكلمة للدكتور الطيب عباس، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، رحّب خلالها بالحضور من السفراء العرب، وأساتذة الجامعات، والباحثين والمهتمين باللغة والتراث، معربًا عن اعتزازه باستضافة المتحف لهذه الفعاليات التي تُسهم في صون التراث وتعميق الوعي الثقافي. وأكد أن اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتخاطب، بل هي وعاء الحضارة وذاكرة التاريخ، وحلقة وصل بين الماضي والحاضر، بما تحمله من قيم جمالية وقدرة دائمة على التعبير عن هوية الشعوب. وأشار إلى أن مقتنيات المتحف، ولا سيما الإسلامية منها، تضم نماذج بديعة لفنون الزخرفة والخط العربي، تعكس تطور الكتابة وجمالياتها وتُبرز عبقرية الفنان المصري عبر العصور. من جانبه، شدّد المستشار محمد شيرين فهمي، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء المتحف، على أن اللغة العربية تمثل ركيزة أساسية في حفظ الذاكرة الحضارية المصرية ونقلها للأجيال، مثمنًا دور المتحف في صون هذا الإرث، ومؤكدًا أن الشراكة بين الجمعية والمتحف تعكس التزامًا مشتركًا بدعم حضور العربية في المشهدين الثقافي والتعليمي. بدوره، أعرب الدكتور عبد الله الرحبي، سفير سلطنة عُمان بالقاهرة، عن فخر بلاده بالمشاركة في الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، مشيرًا إلى مكانتها الراسخة في الوجدان العُماني، وكون عُمان موطن الخليل بن أحمد الفراهيدي أحد أعلام العربية الكبار. وأكد أن العربية، لغة القرآن الكريم، ما زالت قادرة على الإبداع وإنتاج المعرفة، وأن الحفاظ عليها مسؤولية جماعية تجاه التاريخ واستثمار واعٍ للمستقبل. وشهدت الندوة كلمات لكل من الدكتور عبد الحميد مدكور، الأمين العام لمجمع اللغة العربية، والدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، نائبًا عن وكيل الأزهر الشريف. وتضمّن برنامج الفعالية عرض فيلم تسجيلي قصير عن تراث عائلة صوفي زاده، إحدى أعرق العائلات في فنون الخط العربي والزخرفة عبر خمسة أجيال، أعقبه تعليق من الفنان والباحث محمد شافعي ممثل العائلة. كما شمل البرنامج محاضرات علمية متخصصة، من بينها «الخط العربي وعاء اللغة العربية» للدكتور محمد علي بيومي، و«تأثير اللغة العربية في الهوية» للدكتورة هبة جمال الدين، و«اللغة والهوية» للدكتور سعيد توفيق. وتنوّعت الفعاليات الفنية بين أمسية شعرية شارك فيها الشاعر أحمد تيمور والشاعرة إيمان معاذ، وفقرة موسيقية للمايسترو فؤاد الشوربجي والفنان عبد العزيز علي. واختُتمت الفعالية بافتتاح معرض فني بالتعاون مع سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة، ضم لوحات تُبرز جماليات الخط العربي، إلى جانب معرض تراثي لأعمال ومقتنيات عائلة صوفي زاده، شمل لوحات وأفلامًا تسجيلية توثق مسيرتها الفنية. كما نُظّمت ورش تفاعلية بالتعاون مع مشيخة الأزهر الشريف بمشاركة 25 طالبًا من الأزهر، تنوّعت بين الكتابة على الجلد، والطباعة، والرسم الحر، وكتابة الأسماء بأنواع الخطوط العربية، وسط إقبال لافت من الزائرين. ويوافق اليوم العالمي للغة العربية 18 ديسمبر من كل عام، وهو تاريخ اعتمادها لغة رسمية ولغة عمل بالأمم المتحدة عام 1973، لتظل العربية ركنًا أصيلًا من أركان التنوع الثقافي العالمي، ويظل الخط العربي شاهدًا بصريًا على جمالها وقدرتها الدائمة على التجدد.