على مدى أكثر من أربعة عقود، كرّست الدكتورة هوريج سوروزيان حياتها لاستكشاف أعماق الحضارة المصرية القديمة، من خلال دراسة التماثيل الملكية والتراث الفني لمصر. عملها كمؤرخة فنية وعالمة آثار جعلها من أبرز الشخصيات في مجال علم المصريات، ليس فقط لما تحققه من اكتشافات أثرية، بل أيضًا لما تقدمه من ترميم دقيق يحافظ على الإرث الثقافي المصري للأجيال القادمة. من تماثيل الملك أمنحتب الثالث إلى الإلهة سخمت، تواصل سوروزيان فتح أبواب جديدة لفهم الفن والتاريخ المصري القديم. اقرأ أيضًا | حين يحمي العلم ذاكرة الحجر.. ترميم جديد لآثار الأسرة التاسعة عشرة - بداية الرحلة العلمية وُلدت هوريج سوروزيان في عائلة أرمنية، وأكملت مراحل تعليمها العالي في فرنسا، حيث درست في مدرسة اللوفر ومدرسة اللغات الشرقية، نالت درجة الدكتوراه من جامعة باريس السوربون بعد أطروحة حول التماثيل الملكية للأسرة التاسعة عشرة، مع التركيز على النحت المصري، لتصبح من المتخصصات البارزات في هذا المجال. - الخبرة الأكاديمية بدأت سوروزيان التدريس في العديد من المؤسسات المرموقة، بما في ذلك الجامعة الأمريكية بالقاهرة وجامعة السوربون، حيث ركزت على تعليم الفن المصري وعلم الآثار بشكل عملي وعلمي، حصلت على كرسي ويليام ك. سيمبسون ومارلين م. سيمبسون لعلم المصريات في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، حيث ساهمت في تطوير برامج تعليمية مبتكرة تربط الطلاب مباشرة بالمواقع الأثرية والتجارب العملية. - المسيرة الأثرية والإنجازات منذ عام 1998، تشغل سوروزيان منصب مديرة مشروع ترميم تمثالي ممنون ومعبد أمنحتب الثالث في الأقصر، المشروع الذي يضم معبد "بيت الملايين من السنين"، وقد قادت فريقًا متعدد الجنسيات للعمل على ترميم التماثيل الضخمة والقطع الأثرية، بما في ذلك إعادة ترميم تماثيل الملك أمنحتب الثالث والملكة تيي، وزيادة فهم التمثيلات الملكية والدينية في مصر القديمة. اكتشاف وتم ترميم أكثر من 200 تمثال للإلهة سخمت، إلهة اللبؤة، التي كانت تحمي الملك وتحمل رموز القوة والخصوبة. إعادة تثبيت وتمكين الزوار من رؤية التماثيل في مواقعها الأصلية بالمعبد بعد أعمال الترميم المعقدة. - الأسلوب العلمي تتميز سوروزيان بالجمع بين البحث الأكاديمي الدقيق والعمل الميداني العملي، مستخدمة أحدث تقنيات الترميم والفحص العلمي للقطع الأثرية، كما تعتمد على فهم عميق لتاريخ الفن المصري، ما يتيح لها تفسير المعاني الرمزية والنقوش القديمة بدقة. - عضويات ومساهمات دولية عضو مراسل في المعهد الأثري الألماني. عضو في منظمة إيكوموس أرمينيا. مستشارة للشؤون الثقافية في السفارة الأرمينية بالقاهرة. - أعمال بحثية ونشر علمي نشرت سوروزيان العديد من المقالات والدراسات حول الفن والنحت المصري القديم، وشاركت في مؤتمرات دولية لتبادل الخبرات العلمية، كما درست الروابط المحتملة بين مصر القديمة وبعض الحضارات القديمة الأخرى، بما في ذلك أرمينيا وبلاد ما بين النهرين، مما أضاف بُعدًا ثقافيًا وأثريًا لأبحاثها. - الفلسفة العملية تؤمن سوروزيان بأهمية صون التراث المصري على المدى الطويل، معتبرة أن الحضارة المصرية هي "الأعظم بين الحضارات القديمة"، وأن الحفاظ على التماثيل والمواقع الأثرية يعكس احترام التاريخ ويتيح للعلماء والباحثين دراسة الماضي بدقة. وقد صرحت قائلة: "مع كل اكتشاف جديد، يُفتح فصل جديد في تاريخ مصر وتاريخ الفن العالمي، علم المصريات يزداد ثراءً يومًا بعد يوم بفضل لمحات جديدة عن الماضي ومعرفة أعمق للمستقبل". - مشاريع بارزة تماثيل الملك أمنحتب الثالث: اكتشف فريقها تمثالاً من الجرانيت الأسود يبلغ ارتفاعه 248 سم، ويظهر الملك بملامح طفولية، ما يوضح دوره المبكر في السلطة. تماثيل الإلهة سخمت: تم ترميم وعرض أكثر من 66 قطعة، منها تماثيل جالسة وواقفة، تحمل رموز القوة والسلطة والحماية. تمثال الملكة تيي: اكتشف أثناء التنقيب عن الجزء السفلي لتمثال الملك، ويعتبر مثالاً على الدقة الفنية في النحت الملكي. - أثرها الأكاديمي من خلال التدريس والإشراف على مشاريع التنقيب، ساعدت سوروزيان في تخريج جيل جديد من علماء المصريات، ممن أصبحوا قادرين على العمل في مجالات مثل علم النباتات القديمة، الترميم، وعلم المصريات التطبيقي. كما ساهمت في إدخال منهجيات جديدة تعتمد على العمل الميداني المباشر في الجامعات، لربط النظرية بالتطبيق. - التحديات التي واجهتها واجهت سوروزيان العديد من التحديات في مشروعها، مثل: - تدهور التماثيل بسبب الزلازل والعوامل الطبيعية. - تبلور الأملاح على الصخور، ما يهدد استقرارها. - صعوبة نقل التماثيل الضخمة من المحاجر إلى موقعها النهائي. لكن خبرتها الطويلة وإصرارها على الحفاظ على الإرث الأثري مكّناها من التغلب على هذه الصعوبات وتحقيق إنجازات غير مسبوقة. - الإرث المستمر لا تقتصر مساهمات سوروزيان على العمل الميداني، بل تشمل أيضًا تعزيز الفهم العالمي للفن المصري القديم، وفتح أبواب جديدة للبحث والتأمل في الحضارة المصرية، إن مشروعها في الأقصر يمثل نموذجًا عالميًا للترميم والحفظ، ويظهر كيف يمكن للعلماء دمج البحث الأكاديمي مع التطبيق العملي لصون التراث الثقافي. الدكتورة هوريج سوروزيان ليست مجرد عالمة آثار ومؤرخة فنية، بل هي رمز للتفاني في الحفاظ على التاريخ وفهمه، إن اكتشافاتها، وإنجازاتها في ترميم معبد أمنحتب الثالث وتماثيله، وتوجيه جيل جديد من علماء المصريات. قصة حياتها تؤكد أن الإرث الثقافي يحتاج إلى علم، شغف، وإصرار للحفاظ عليه للأجيال القادمة.