لم تكن سها تبحث عن جمال خارق، بل كانت تريد فقط إخفاء ملامح التعب والخطوط التى تركتها السنوات على وجهها، خطوة واحدة داخل أحد مراكز التجميل غير المرخصة جعلت حياتها تنقلب رأسًا على عقب، فبعد حقن وجهها بحقنة فيلر صغيرة شعرت بآلام شديدة، وتحول جلدها إلى اللون الأزرق، وامتد الورم إلى باقى عضلات الوجه وأصابه بالشلل، لم تعد قادرة على تحريك شفتيها أو إغلاق عينيها بالكامل، الألم النفسي كان أصعب، فكل نظرة فى المرآة كانت تذكرها بالثمن الذى دفعته من ملامحها وثقتها بنفسها. ◄ خطورة استخدام مادة المينوكسيديل لعلاج الشعر دون تحاليل طبية حين عادت إلى مركز التجميل الذى أجرت فيه عملية الحقن فوجئت سها بالإنكار واختفى الطبيب، وتحولت الوعود بالجمال الدائم إلى صمت وعبارات باردة، لتجد سها نفسها وحيدة تبحث عن طبيب حقيقى يحاول إفساد ما أصلحته إبرة الجمال المجهولة، وبينما تدفع هى الثمن من صحتها ووجهها، لا تزال صفحات السوشيال ميديا وبعض البلوجرز يروجون لإعلانات الفيلر الآمن، والبوتوكس الدائم، لتستمر المأساة من جديد. ولم تكن حقن الفيلر وحدها المتهمة بتشويه الجمال، فبعض جلسات علاج الشعر هى الأخرى تؤدى لنفس الضرر خاصة مع استخدام مادة المينوكسيديل شديدة الخطورة دون تحاليل طبية. وكانت الفنانة الشابة رحمة حسن آخر ضحايا عيادات التجميل، إذ حولت جلسة تجميل عادية حياتها لكابوس، وأصيبت بالصلع بعد إجرائها جلسة بلازما عادية للشعر فى واحدة من عيادات التجميل الشهيرة، حيث تم حقنها بهذه المادة. الغريب أن بعض البلوجرز وقعوا هم أيضًا ضحايا لهذه الحقن الخطرة وكانت آخرهن كنزى مدبولى، التى كادت تفقد أنفها بالكامل، بعد أن خضعت لحقنة فيلر فى الأنف، وهو من أكثر مناطق الوجه حساسية وخطورة، فيؤدى أى خطأ به إلى انسداد الشرايين أو تلف الأعصاب وربما الموت! ◄ اقرأ أيضًا | «خالتو لابسة بالطو» |حملة للأطباء فى مواجهة منتحلى المهنة وعانت الفنانة دانا حمدان هى الأخرى من تجربة مشابهة بعد أن خضعت لجلسة تجميل فى إحدى العيادات، فأصيبت بتورم شديد فى الوجه وآلام حادة استمرت لأيام، ورغم معاناتها الواضحة فإن العيادة أنكرت تسببها فى هذه الكارثة، معللة ما حدث بأنه «حساسية طبيعية». فيما كانت وفاة الفتاة التى اشتهرت ب«عروس حلوان» قبل عدة أشهر بسبب حقنة فيلر، دافعًا للنائب أشرف أمين للتقدم بسؤال للمستشار حنفى جبالى رئيس مجلس النواب حينذاك موجها إلى الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة حول تكرار وفاة ضحايا حقن التجميل فى المراكز غير المتخصصة، ليظل هوس التجميل وشد البشرة تجارة مربحة تغذيها الإعلانات الوهمية، وتدفع ثمنها وجوه وحياة النساء فى غياب رقابة حقيقية أو ضمير مهنى. ◄ مراكز غير مرخصة تنتشر مئات مراكز التجميل غير المرخصة، حيث يعمل بعضها فى شقق سكنية، أو محال تجارية صغيرة دون إشراف طبى، لتتحول إجراءات التجميل البسيطة إلى مغامرات محفوفة بالموت، وبحسب بيانات نقابة الأطباء فإن إجراء حقن الفيلر لا بد أن يتم على يد أحد الأطباء المتخصصين بمواد معروفة ومرخصة من وزارة الصحة، إلا أن مراكز «بير السلم» تقدم خدماتها التجميلية بأسعار مغرية وبمواد مجهولة المصدر. وتُستغل صفحات الفيسبوك ومنصات السوشيال ميديا عمومًا كقناة أساسية لترويج بضاعتها وعروضها المخفضة، فيبدأ سعر جلسة البلازما فيلر من 700 جنيه، أما فيلر الشفاه فسعره فى حدود 1500 جنيه، مقارنة بالعيادات المرخصة التى يبدأ السعر فيها من 4 آلاف جنيه ويصل ل8 آلاف جنيه، حسب نوع الفيلر المستخدم فهناك نوع ألمانى وآخر كورى. على إحدى الصفحات تبث إعلانات ممولة عن أنواع مختلفة من حقن الفيلر والبوتكس وجلسات الهيدرافيشال الخاصة بتنظيف وشد البشرة، وتتيح إمكانية التقسيط الشهرى، ويبدأ سعر جلسة الفيلر من 1000 ويصل ل3 آلاف جنيه، وهناك صفحة أخرى تقدم عرض الفيلر والهالات يتضمن حقنة فيلر للخدود، وأخرى للشفاه، فضلا عن علاج الهالات السوداء مقابل 2800 جنيه، كما تقدم عرض البوتوكس لكامل الوجه بأقل من 2000 جنيه. يقول محمود الدجوى رئيس شعبة الكوافيرات السابق بالغرفة التجارية: لم يعد حقن الفيلر والبوتكس مقتصرًا على عيادات الأطباء فقط، بل امتد إلى صالونات التجميل والكوافيرات التى أصبحت فى السنوات الأخيرة مراكز متكاملة، وتعتمد على مواد طبية مجهولة المصدر أو منتجات بوتكس مقلدة فى التغليف بالعلامات التجارية المعروفة، لافتًا إلى أن أغلبها يُباع عبر صفحات على الإنترنت أو يتم استيرادها دون رقابة من دول مثل الصين وتركيا. ويضيف: أغلب العاملين فى هذه الصالونات يفتقدون التدريب الطبى الذى يؤهلهم للتعامل مع هذه المواد، ما يؤدى لأخطار كارثية مثل تورم وتشوه الوجه وربما الوفاة، مشيرًا إلى أن بعض هذه المراكز تروج لأنواع بوتكس صينى أو فيلر كورى بأسعار مخفضة لجذب الزبائن. ◄ أخطار كثيرة وعن فوائد حقن الفيلر والبوتكس تقول الدكتورة مى نور إخصائية الجلدية: يتشابه الغرض التجميلى للبوتكس والفيلر، حيث إن الفيلر يعمل على ملء الفراغات فى الوجه وجعل الشفاه تبدو أكثر امتلاء ويتم استخدام حمض الهالورنيك بها، وهى مادة موجودة بالجسم تمنح البشرة نضارة وترطيبا، أما البوتكس فيعمل على مقاومة التجاعيد وشد العضلات المسببة له، مشيرة إلى أن المواد الأصلية المستخدمة بها يتم استيرادها من دول أوربا وأمريكا، وتبدأ أسعار الجلسات فى العيادات المرخصة من 4 إلى 6 آلاف جنيه. وتؤكد أن أخطار الحقن المغشوشة تمتد لتصل إلى الوفاة فى بعض الأحيان سواء بسبب التسمم الدموى أو الحساسية الشديدة. أما الدكتور فتحى خضير أستاذ جراحة التجميل فيقول: تعتمد حقن الفيلر والبوتكس مجهولة المصدر على زيوت سيليكون، أو مواد مجهولة الهوية الكيميائية، ما يسبب التهابات مزمنة وتلفيات تحت الجلد، كما تسبب أحيانًا نخرًا للأنسجة أو فقدان البصر، مشيرًا إلى أن بعض الحقن لا تحتوى على نسب نقية من حمض الهالورنيك أو سم البوتيولينوم وهو ما يجعل عضلات الجسم تتفاعل معه وربما يؤدى ذلك لشلل مؤقت فى العضلات المحيطة بالعين أو الفم. ويؤكد أن غياب تقنيات التعقيم الطبى واستخدام الحقن لأكثر من مرة يفتح الباب أمام نقل العدوى الفيروسية مثل الكبد الوبائى أو الهربس أو البكتريا الجلدية، مضيفًا أن انجذاب السيدات للعروض الوهمية والمواد الرخيصة قد يفقدهن حياتهن. ويشير إلى أن مادة المينوكسيديل المستخدمة لعلاج تساقط الشعر غير مضمونة النتائج مع الكثير من الحالات، خاصة إذا كانت بصيلات الشعر ضعيفة جدًا، كما أن لها آثارا جانبية خطيرة مثل ارتفاع ضغط الدم وتسارع ضربات القلب، لافتًا إلى أن هناك مواد مقلدة أو تركيزها أقل تسبب حساسية أو «حرقان» فى فروة الرأس. ◄ عقوبة قانونية من الناحية القانونية يقول أحمد عبدالعال المحامى: ما يحدث داخل مراكز التجميل غير المرخصة هو جريمة مكتملة الأركان طبقًا لقانون مزاولة مهنة الطب رقم 415 الذى يجرِّم ممارسة أى عمل طبى دون ترخيص من وزارة الصحة، كذلك من يطلقون على أنفسهم خبراء التجميل فإن قيامهم بعمل حقن فيلر أو بوتكس يعتبر انتحالًا لصفة طبيب، وتصل العقوبة فى هذه الحالة للحبس من عام إلى عامين، وعقوبة مادية لا تزيد على مئتى جنيه، لافتًا إلى أن استخدام مواد مغشوشة أو غير مسجلة لدى هيئة الدواء المصرية يدخل ضمن جرائم الغش التجارى، ما يؤدى لمضاعفة العقوبة حال ترتَب عليها ضرر بدني.