لا تقتصر مهمة المتحف المصري بالقاهرة على عرض روائع الحضارة المصرية القديمة، بل تمتد لتشمل صونها وحمايتها من عوامل الزمن، لتظل شاهدة على عظمة الماضي. وفي هذا الإطار، يواصل قسم الترميم وصيانة الآثار دوره العلمي الدقيق، مستندًا إلى أحدث المنهجيات والتقنيات، ليحافظ على الكنوز الأثرية بوصفها ذاكرة حية لا تُقدّر بثمن. أنجز قسم الترميم وصيانة الآثار بالمتحف المصري بالقاهرة أعمال صيانة وترميم هامة لخمس قطع أثرية حجرية تعود إلى مقبرة من عصر الأسرة التاسعة عشرة، في خطوة تعكس الاهتمام المتواصل بالحفاظ على المجموعات الأثرية المعروضة وضمان استدامتها للأجيال القادمة. وقد نُفذت هذه الأعمال على يد فريق متخصص من المرممين ذوي الخبرة، وفق أسس علمية دقيقة تراعي طبيعة المادة الأثرية وحالتها الإنشائية والفنية. وتضمنت أعمال الترميم خمس قطع حجرية بارزة، من بينها قطعتان رئيسيتان على هيئة نقشين جداريين يحملان قيمة فنية وتاريخية عالية، ويصور النقش العلوي مشهدًا حيويًا لمجموعة من الموسيقيين يعزفون أمام رجل وزوجته، في انعكاس واضح لأهمية الموسيقى في الحياة الاجتماعية والاحتفالية خلال عصر الدولة الحديثة. أما النقش السفلي، فيعرض منظرًا دقيقًا للتقديمات، وهو من المشاهد المتكررة في المقابر، لما يحمله من دلالات دينية مرتبطة بالقرابين وضمان الحياة الأبدية. واعتمد فريق الترميم خلال هذه الأعمال على منهجية علمية متقدمة تهدف إلى تحقيق الاستقرار الكيميائي والفيزيائي للنقوش، مع الحفاظ الكامل على الألوان الأصلية والتفاصيل الفنية الدقيقة، وشملت الإجراءات استخدام مواد آمنة ومتوافقة مع طبيعة الحجر، إلى جانب تطبيق تقنيات تنظيف متخصصة تعتمد على المذيبات المناسبة لإزالة الأملاح والتكلسات المتراكمة، دون التأثير على الطبقات اللونية أو السطح الأصلي للنقش. اقرأ ايضا| رحلة إنقاذ أثر نادر.. ترميم التابوت الخارجي ل «يويا» كما راعى المرممون تنفيذ تدخلات علاجية ووقائية في آنٍ واحد، بحيث لا تقتصر الأعمال على معالجة التلف الظاهر فقط، بل تمتد لمنع تدهور القطع مستقبلاً نتيجة العوامل البيئية المختلفة، وقد تم ذلك من خلال تدعيم الأجزاء الضعيفة، ومراقبة تفاعل المواد المستخدمة مع سطح الأثر، بما يضمن استقرارها على المدى الطويل. وتبرز أهمية هذه الأعمال في كونها تحافظ على النقوش باعتبارها مصادر تاريخية موثوقة، تسجل جوانب متعددة من الحياة اليومية والطقوس الدينية في مصر القديمة، وتكشف عن ذوق فني رفيع وتنظيم اجتماعي متقدم خلال عصر الأسرة التاسعة عشرة. كما تؤكد هذه الجهود الدور الحيوي والهندسي الذي يقوم به قسم الترميم داخل المتحف، حيث يجمع بين العلم والدقة والحس الأثري العالي. من خلال هذه الأعمال، يواصل المتحف المصري بالقاهرة رسالته في حماية التراث الإنساني، ليس فقط بعرضه للجمهور، بل بصيانته بعناية علمية تضمن بقائه شاهدًا حيًا على حضارة استثنائية، قادرة على مخاطبة الحاضر والمستقبل بقدر ما تحكي عن الماضي.