لم أكن أتخيل أن أكتب يوما شهادة تحمل هذا القدر من الامتنان والإنصاف؛ شهادة تنصف ما يغيب عن الصورة، وتضيء جانبا لا يصل إلى الناس وسط ضجيج السوشيال ميديا والانطباعات السلبية المتراكمة عن المستشفيات الحكومية. لكن ما عشته هذا الأسبوع مع والدتي قلب كل المفاهيم الراسخة في ذهني لسنوات. صباح الجمعة الماضية، تدهورت حالة والدتي بشكل مفاجئ ووصلت إلى وضع بالغ الخطورة. كان صوتها الضعيف وهي تستنجد بي عبر الهاتف يقطع القلب، وجعلني أقف بين القلق والارتباك والحيرة. للحظة شعرت بالعجز، رغم سنوات عملي الصحفي واتساع دوائر معرفتي. لم أكن أعرف إلى أي مستشفى أتوجه، وهل سأجد رعاية سريعة تنقذها قبل فوات الأوان؟ اتصلت بالزميل أحمد سعد، المسئول عن ملف الصحة بجريدة الأخبار، أبحث عن النصيحة الأسرع. لم يتردد لحظة وقال بثقة «روح مستشفى صدر العباسية فورا».. تحركت وأنا محمّل بالخوف، متوقعا مشاهد الإهمال والزحام والبطء التي اعتدنا سماعها، لكن ما وجدته كان مفاجأة إيجابية صادمة بكل المقاييس.. منذ لحظة دخولنا المستشفى وجدنا استقبالا راقيا وسريعا، وتعاملا إنسانيا محترما من طاقم التمريض والأطباء. إجراءات التسجيل تمت في دقائق، ثم نُقلت والدتي مباشرة إلى الفحص. أُجريت لها الأشعة والتحاليل مجانًا بالكامل، ووصلت بأجهزة الأكسجين والتنفس الصناعي فورًا دون انتظار أو تعقيد.. كانت هناك طبيبة، رغم أنه يوم الجمعة، تعمل بطاقة هائلة، تتحرك بخبرة وهدوء بين الحالات، وتتعامل مع كل مريض كأنها مسئولة عنه شخصيًا. طلبت صورة دم كاملة ووظائف كلى وكبد وأشعة تشخيصية، وكل ذلك جرى بسرعة مدهشة ومهنية عالية.. ما لمسني لم يكن فقط سرعة الإجراءات، بل الإنسانية قبل الطب. كلمة تطمئن، نظرة اهتمام، متابعة دقيقة، وحرص حقيقي على استقرار حالة والدتي. خلال ساعات قليلة بدأت حالتها تستقر، وبدأ قلقي ينحسر بعد خوف عميق كاد يبتلعني.. وقتها أدركت أن الصورة النمطية ليست كل شيء، وأن هناك جانبًا آخر لا يصل إلى الناس. هناك من يعملون في صمت، ويقدمون خدمة طبية محترمة، ويضعون ضميرهم قبل أي شيء. في مستشفى صدر العباسية وجدت تلك الحاجة الحلوة التي نبحث عنها جميعًا في لحظات الأزمة. كل الشكر والتقدير لطاقم المستشفى، من الاستقبال والتمريض إلى الأطباء الذين أدوا عملهم كأنهم في مهمة وطنية. أمنية أخيرة أن تمتد هذه الروح إلى كل المستشفيات الحكومية، ليشعر المواطن بأن الخدمة الصحية في بلده ما زالت بخير، وفيها ضوء حقيقي يشق العتمة.