في صمت قاعات المتحف المصري بالتحرير، وبجوار القناع الذهبي ليويا، تقف امرأة لا يلفت حضورها الانتباه بالتيجان، بل بالهيبة، إنها السيدة تويا، امرأة لم تحمل لقب ملكة، لكنها أنجبت واحدة من أقوى نساء مصر القديمة، وأسهمت من موقعها الهادئ في تشكيل ملامح عصر كامل من الازدهار والقوة. وتُعد تويا واحدة من أبرز الشخصيات النسائية غير الملكية في تاريخ مصر القديمة، إذ ارتبط اسمها مباشرةً بذروة العصر الذهبي للدولة الحديثة، وبالأسرة الثامنة عشرة التي شهدت أوج النفوذ السياسي والديني والعسكري لمصر. كانت تويا زوجة لكبير رجال الدولة يويا، وأمًا للملكة تي، الزوجة الملكية العظيمة للملك أمنحتب الثالث، وجدّةً غير مباشرة للملك إخناتون، وقد منحها هذا الموقع العائلي مكانة استثنائية داخل البلاط الملكي، تجسدت في لقبها النادر: «أم الزوجة الملكية العظيمة»، وهو لقب يعكس تقديرًا رسميًا لدورها ومكانتها، وليس مجرد صلة قرابة. - مكانة اجتماعية ونفوذ غير معلن لم تكن تويا ملكة تحكم أو تشارك في المراسم الرسمية الكبرى، لكنها كانت جزءًا أساسيًا من شبكة النفوذ التي أحاطت بالعرش، فقد نشأت ابنتها الملكة تي في بيت يجمع بين الثراء، والاتصال المباشر بالسلطة، والخبرة السياسية، ما انعكس لاحقًا على قوة شخصية تي وتأثيرها الواضح في حكم زوجها أمنحتب الثالث. ويشير الباحثون إلى أن هذا الدور «غير المرئي» لتويا كان عنصرًا حاسمًا في صعود ابنتها، إذ لعبت دور الأم الموجهة والحاضنة لملكة ستصبح واحدة من أكثر نساء مصر القديمة نفوذًا. - مقبرة استثنائية تكشف المكانة في عام 1905، عُثر على مقبرة تويا وزوجها يويا (KV46) في وادي الملوك، في اكتشاف أثري يُعد من الأهم في تاريخ علم المصريات، فقد وُجدت المقبرة شبه سليمة، ومحتوياتها على درجة غير مسبوقة من الثراء بالنسبة لمقبرة غير ملكية. احتوت المقبرة على توابيت فاخرة، وأثاث جنائزي متقن الصنع، وحُلي، وأدوات طقسية، مما يعكس حجم الامتيازات التي تمتّع بها الزوجان، ويؤكد أن قربهما من العائلة المالكة وضعهما في مصاف كبار النخبة الحاكمة. - ملامح إنسانية خالدة تكشف المومياء والنقوش الجنائزية الخاصة بتويا عن ملامح وجه دقيقة وهادئة، تنم عن وقار وجمال ناضج، وتعكس المستوى الفني الرفيع لفنون عصر الدولة الحديثة، لا تُظهر هذه الملامح امرأة عادية، بل شخصية واثقة، مدركة لقيمتها ومكانتها. - رمز للقوة النسائية الهادئة تمثل تويا نموذجًا مختلفًا للقوة في مصر القديمة؛ قوة لا تقوم على التتويج أو الحكم المباشر، بل على التأثير العميق من خلف المشهد، فهي لم تكن مجرد زوجة لمسؤول كبير أو أم لملكة عظيمة، بل كانت عنصرًا محوريًا في تكوين واحدة من أقوى الدوائر العائلية والسياسية في تاريخ مصر. إن السيدة تويا تجسيد حيّ لدور المرأة المصرية التي صنعت التاريخ دون أن تتصدره، وأسهمت في تشكيل مصير إمبراطورية من موقعها الهادئ، لتبقى مثالًا خالدًا للقوة الأنثوية الحكيمة التي عملت من خلف العرش، لكنها تركت أثرًا لا يُمحى.