كشفت وثيقة الأمن القومي الأمريكي لعام 2025، عن توجه جديد يعيد رسم موازين النفوذ في آسيا ويقلب إرث عقود من الاستراتيجية الأمريكية التقليدية. وتُعد الوثيقة، التي أفصحت عنها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب الأسبوع الماضي، إعلانًا واضحًا عن ولادة نهج استراتيجي مغاير يستند إلى رؤية "أمريكا أولًا" ويتخلى عمليًا عن كثير من مسلّمات النظام العالمي بعد الحرب الباردة. اقرأ أيضًا| وثيقة الأمن القومي الأمريكية تعلن حربًا باردة من نوع آخر على التكامل الأوروبي وبينما لا يمكن الجزم بأن ما ورد في الوثيقة سيُترجم بالكامل إلى خطوات تنفيذية لاحقًا، فإن مضمونها يكشف بوضوح غير مسبوق كيف تتصور الإدارة الأمريكية الجديدة شكل النفوذ الأمريكي، ومستقبل التحالفات، وطبيعة المواجهة المقبلة مع الصين، وما تنتظره من شركائها الآسيويين الذين يقفون عند خط تماس المنافسة الجيوسياسية الأشد في القرن الحالي. وجاءت الوثيقة، بمثابة مرآة دقيقة لتيار MAGA الصاعد داخل الولاياتالمتحدة، ورسالة تُدرك العواصم الآسيوية جيدًا أن تجاهلها لم يعد ممكنًا. تحوّل استراتيجي جذري في السياسة الأمنية الأمريكية أفادت صحيفة «فورين بوليسي» الأمريكية، أن النسخة الجديدة من استراتيجية الأمن القومي الأمريكي (NSS) تمثل قطيعة واضحة مع الإجماع التقليدي الذي حكم السياسة الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية. فبينما كانت الوثائق السابقة تختلف في التفاصيل فقط، تكشف النسخة الحالية عن نهج جديد بالكامل، يستند إلى رؤية قومية تؤمن بأن الدولة يجب أن تتحرك وفق ما يناسب مصالحها المباشرة فقط، بعيدًا عن الالتزامات الأممية الواسعة. رؤية "أمريكا أولًا" تتصدّر الوثيقة أكدت الوثيقة أن الاستراتيجية لم تعد قائمة على الأيديولوجيا أو على الطموحات العالمية، بل على إعادة تعريف "المصلحة الوطنية" عبر التركيز على الداخل الأمريكي قبل أي شيء. وترى الإدارة أن هذا التحول سيعيد ضبط علاقة واشنطن بالعالم، بشكل قد يلقى ترحيبًا من عواصم كانت تنتقد لسنوات الدور الأمريكي المتضخم، لكنّه يثير في آسيا مزيجًا من القلق والترقب. آسيا في صدارة الأولويات الأمريكية الجديدة ورغم التغييرات العميقة، كشفت الوثيقة أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ باتت على رأس أولويات واشنطن خارج نصف الكرة الغربي. ويمثل هذا التركيز، امتدادًا لمحور أوباما وسياسة "الهندي الهادئ الحر والمفتوح" في عهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب الأول واستراتيجية بايدن لاحقًا. وأكدت الوثيقة أن الولاياتالمتحدة ستواصل منع هيمنة قوة واحدة على آسيا، في إشارة مباشرة إلى تنامي القوة الصينية. إعادة تقييم مفاهيم القوة والتحالفات وأوضحت الوثيقة، أن التزام واشنطن بالقيم الليبرالية سيتراجع لصالح نهج أكثر عملية، ما يشكل خبرًا غير سار لحركات المجتمع المدني في آسيا التي كانت تعتمد على الدعم الأمريكي. كما لفتت إلى وجود توتر واضح بين مسار التعاون الاقتصادي مع الصين من جهة، والالتزامات الأمنية تجاه الحلفاء من جهة أخرى، في ظل صعود القدرات العسكرية الصينية وسعي بكين لتقويض النفوذ الأمريكي في المنطقة. وأكدت "فورين بوليسي" أن آسيا خلافًا لأوروبا قد تمتلك وقتًا أطول للتأقلم مع التغيرات في السياسة الأمريكية، لكنها تواجه تحديات أكبر بكثير نظرًا لأن الصين تشكل القوة الصاعدة مباشرة في محيطها. وحذر التقرير، من أن التذبذب الأمريكي بين التعاون الاقتصادي والمواجهة العسكرية مع بكين قد يؤدي إلى اضطرابات واسعة في التوازنات الإقليمية. وشدد التقرير، على أن آسيا لا تملك رفاهية انتظار عودة "الأممية الليبرالية" أو استقرار العلاقة بين واشنطنوبكين. ولذلك تدعو الوثيقة دول المنطقة إلى انتهاج سياسة "المساعدة الذاتية" عبر تطوير قدراتها الدفاعية، وتنويع شراكاتها الدولية بعيدًا عن الاعتماد المفرط على الولاياتالمتحدة، وبناء شبكات تحالف مرنة تتكيف مع تغير موازين القوة. وبحسب الوثيقة، تعرض واشنطن نموذجًا جديدًا يقوم على شبكة تقاسم الأعباء، حيث ستكون الولاياتالمتحدة مستعدة لدعم الدول التي تتحمل مسؤوليات أكبر في أمن محيطها الإقليمي، سواء من خلال اتفاقات تجارية تفضيلية أو شراكات تكنولوجية أو تعاون دفاعي أعمق. وتعتبر الوثيقة أن هذا النموذج قد يمنح آسيا فرصة لإعادة ترتيب أولوياتها والتحرك بمرونة أكبر في المشهد الدولي المتغير. اقرأ أيضًا| بعد ظهور لقطات جديدة.. هل تواجه حملة ترامب ضد قوارب المخدرات أول تحقيق دولي؟