لم تكن عملية التحنيط لدى المصريين القدماء مجرد طقس ديني أو إجراء لحفظ الجسد بعد الوفاة، بل كانت منظومة فكرية متكاملة تعكس إيمانًا عميقًا بالحياة الأخرى وبعث الروح من جديد. ومن بين أبرز الأدوات التي ارتبطت بهذه العملية الدقيقة، جاءت الأواني الكانوبية التي لعبت دورًا محوريًا في حماية أحشاء المتوفى وضمان سلامتها في رحلة العبور إلى العالم الآخر. هذه الأواني، بتنوع أشكالها وزخارفها ورموزها، كشفت الكثير عن العقائد والطقوس الجنائزية التي صاغت حضارة المصريين القدماء عبر آلاف السنين. استخدم المصريون القدماء الأواني الكانوبية كإحدى الركائز الأساسية في عملية التحنيط، إذ كانت الأحشاء تُستخرج من جسد المتوفى بعناية ثم تُحفظ داخل أربعة أوانٍ مخصصة، اعتقادًا بأنها ضرورية لبعث المتوفى في العالم الآخر، وقد مرت هذه الأواني بمراحل تطور مختلفة عبر العصور. - تطور شكل الأواني الكانوبية في بداياتها، كانت الأواني تُصنع بأغطية مسطحة خالية من الزخارف، ثم تطور تصميمها ليحمل غطاءً برأس آدمية تشبه ملامح المتوفى نفسه، دلالة على الارتباط الشخصي بين الجسد وهذه الأوعية، وبعد ذلك، اتخذت الأغطية أشكالًا محددة تمثل أبناء حورس الأربعة، الذين أُوكلت إليهم مهمة حماية أعضاء المتوفى. - أبناء "حورس" الأربعة ووظائفهم: - "حابى" على شكل رأس قرد البابون: يُستخدم هذا الإناء لحفظ الرئتين، وقد اعتقد المصريون أن حابي يتمتع بقدرة خاصة على حمايتهما من الفساد. - "إمستى" على شكل رأس آدمية: يُخصص هذا الإناء لحفظ الكبد، ويُعد إمستي أحد أهم أبناء حورس الذين ارتبطوا بالاستقرار والحماية. - "دوا موت إف" على شكل رأس ابن آوى: يُستخدم هذا الإناء لحفظ المعدة، ويُعد من أكثر الأشكال شهرة في الفن الجنائزي المصري. - "قبح سنو إف" على شكل رأس صقر: يُوضع فيه الأمعاء، وكان يُعتقد أن قبح سنو إف يوفر لها حماية روحية كاملة. - أهمية الأواني في العقائد المصرية اعتقد المصريون القدماء أن الجسد لا يمكن أن يُبعث دون أعضائه الحيوية، لذلك كان الحفاظ عليها ضرورة عقائدية لا تقل أهمية عن حفظ الجسد نفسه، كما تمثل الأواني الكانوبية جانبًا فنيًا ورمزيًا يعكس قوة المعتقد الديني ورسوخ حضور الآلهة في تفاصيل الحياة والموت. اقرأ أيضا | رحلة ما بعد الحياة.. أسرار دقيقة من طقوس تحنيط الملك في مصر القديمة