في عمق التاريخ المصري القديم، وبين أروقة مقابر النبلاء على الضفة الغربية للأقصر، تتجلى تفاصيل فنية ودينية عميقة تعكس ثقافة المصريين القدماء ومعتقداتهم حول الحياة بعد الموت. إحدى هذه الجواهر هي مقبرة روي الملكية (TT 255)، التي تحمل في جوانبها جدارية تظهر لحظة من الاحترام العميق، حيث يُقاد روي، الكاتب الملكي في عهد الأسرة الثامنة عشرة، بواسطة الإله حورس إلى ضريح ذهبي يترأسه أوزوريس، إله العالم السفلي والبعث. يتجلى أمام أوزوريس أبناء حورس الأربعة، حراس الأواني الكانوبية التي تحفظ الأعضاء الداخلية للمتوفى، ليصبح هذا المشهد رمزًا للتجديد والولادة الجديدة. ** مقبرة روي: خلفية تاريخية وجغرافية مقبرة روي (TT 255) تقع في مقبرة ذراع أبو النجا، على الضفة الغربية لنهر النيل في الأقصر، تم بناء هذه المقبرة خلال عهد الأسرة الثامنة عشرة، حيث كان روي يشغل منصبًا هامًا ككاتب ملكي في عهد الملك حورمحب، مقابر النبلاء، ومن ضمنها مقبرة روي، كانت مخصصة للموظفين الرفيعي المستوى وكبار الشخصيات الذين خدموا في البلاط الملكي، وقد كانت هذه المقابر تُزيَّن بالرسومات والنقوش التي تعكس حياة المتوفى ومعتقداته حول العالم الآخر. ** الرمزية في جدارية مقبرة روي تُظهر الجدارية الموجودة في مقبرة روي مشهدًا رمزيًا هامًا، حيث يظهر روي وهو يُقاد بواسطة الإله حورس إلى ضريح أوزوريس، الذي يمثل إله الموتى والبعث. أمام أوزوريس يقف أبناء حورس الأربعة: أمستي، حابي، دواموتف، وقبح سنويف، كل منهم يظهر برأس مختلف، يعكس دوره في حماية الأعضاء الداخلية للمتوفى، والتي كانت تحفظ في أوانٍ كانوبية، هذا المشهد يعكس المعتقدات الدينية المصرية القديمة حول حماية الجسد وإعداده للبعث في الحياة الآخرة. ** أبناء حورس الأربعة: رموز الحماية والأمان يعتبر أبناء حورس الأربعة من الرموز الهامة في الديانة المصرية القديمة، كانوا يُصوَّرون على الأواني الكانوبية التي تحتوي على أعضاء المتوفى المحنطة؛ أمستي، برأس بشري، كان مسؤولًا عن حماية الكبد؛ حابي، برأس قرد البابون، كان يحمي الرئتين؛ دواموتف، برأس صقر، كان يحمي المعدة؛ وقبح سنويف، برأس كلب، كان يحمي الأمعاء، هؤلاء الأبناء، وفقًا للمعتقدات، كانوا يقدمون الحماية الروحية للمتوفى، مما يضمن له حياة آمنة بعد الموت. ** رمزية زهرة اللوتس في الجدارية في الجدارية، يظهر أبناء حورس الأربعة واقفين فوق زهرة اللوتس، التي تعد رمزًا مهمًا في الثقافة المصرية القديمة، اللوتس كان يرمز إلى النقاء والولادة الجديدة، ويعكس الاعتقاد الراسخ لدى المصريين القدماء بإمكانية البعث والحياة الأبدية بعد الموت، هذا الرمز، المضاف إلى رمزية أبناء حورس، يجعل الجدارية تجسيدًا رائعًا لمفاهيم التجديد والبعث، التي كانت جوهرًا للعقيدة الدينية المصرية. ** حورس وأوزوريس: الآلهة الرئيسية في مشهد البعث حورس وأوزوريس كانا من بين الآلهة الأكثر تقديسًا في مصر القديمة، حورس، الذي يظهر هنا كقائد للمتوفى، كان يُعتبر إله السماء وحامي الفراعنة، أما أوزوريس، فقد كان إله الموتى والبعث، وكان المصريون يعتقدون أنه هو الذي يقود الأرواح إلى الحياة الأبدية، في هذا المشهد، يظهر روي كأحد المؤمنين الذين يستعدون للبعث، تحت حماية وإرشاد هذه الآلهة العظيمة. ** الطبيعة الفنية والتقنية للجدارية تتميز الجدارية في مقبرة روي بأسلوبها الفني الرائع والتقنيات المستخدمة في النقش والرسم، الألوان الزاهية والخطوط الدقيقة تعكس مهارة الفنانين المصريين القدماء واهتمامهم بالتفاصيل، الجدارية ليست مجرد عمل فني، بل هي وسيلة للتعبير عن المعتقدات الدينية والثقافية للمتوفى، وتعد من أروع الأمثلة على الفن الجنائزي في مصر القديمة. ** مقبرة روي في السياق الأثري والتاريخي مقبرة روي ليست مجرد مكان دفن، بل هي شاهد حي على التاريخ والدين والثقافة المصرية القديمة، تقع المقبرة في منطقة ذات أهمية أثرية كبيرة، حيث تضم مقابر عديدة لأشخاص كانوا جزءًا من النخبة الملكية، هذه المقابر، بما في ذلك مقبرة روي، توفر لنا نافذة على حياة ومعتقدات المصريين القدماء، وتساعد في فهم كيف كانوا يرون الحياة بعد الموت. ** الأواني الكانوبية: أدوات للحفاظ على الحياة الأبدية الأواني الكانوبية، التي يظهر أبناء حورس وهم يحرسونها، كانت جزءًا لا يتجزأ من عملية التحنيط، كانت هذه الأواني تحتوي على الأعضاء الداخلية للمتوفى، التي كانت تُنزع من الجسد وتُحفظ بعناية لضمان البعث في الحياة الآخرة، كان لكل إله من أبناء حورس دور في حماية جزء معين من هذه الأعضاء، مما يظهر أهمية الحفاظ على الجسم سليمًا للمضي قدمًا في رحلة الحياة الأبدية. ** المعتقدات الدينية حول البعث والحياة الآخرة كانت فكرة البعث والحياة بعد الموت من الركائز الأساسية في الديانة المصرية القديمة، المصريون القدماء كانوا يؤمنون بأن الحياة على الأرض هي مجرد مرحلة مؤقتة، وأن الحياة الحقيقية تبدأ بعد الموت، هذا الاعتقاد انعكس بشكل كبير في الفن الجنائزي، مثل جدارية مقبرة روي، حيث تم تصوير المتوفى وهو يستعد للانتقال إلى الحياة الأبدية تحت حماية الآلهة. لذلك نجد أن جدارية مقبرة روي ليست مجرد صورة فنية، بل هي تجسيد حي لمعتقدات ومفاهيم المصريين القدماء حول الحياة والموت والبعث، من خلال هذه الجدارية، نتعرف على أهمية الرموز الدينية مثل أبناء حورس وزهرة اللوتس، وكيف كان المصريون ينظرون إلى الموت كمرحلة جديدة من الحياة، هذه التفاصيل الفنية والتقنية تجعل من مقبرة روي شاهدًا خالدًا على عظمة الحضارة المصرية القديمة وعمق معتقداتها. اقرأ أيضا | أصل الحكاية| «معبد الأوزيريون».. رحلة عبر الزمن لقلب الحضارة المصرية القديمة