تنتشر على صفحات التواصل في هذه الأيام ظاهرة ظهور عدد من التماسيح في أحد مصارف قرية من قرى محافظة الشرقية، تلك الظاهرة، التي تسببت في حالة من الهلع لسكان القرى، المطلة على هذا المصرف. فبعدما باتت ظاهرة انتشار الكلاب الضالة، من الأمور الغريبة، المقلقة بشوارع كثير من مدن مصر المحروسة، تلك الظاهرة التي تلاقي آراء متضاربة، بين من يرى ضرورة القضاء عليها (وهم قلة) ومن يرى الحفاظ على حقها في الحياة، رغم ما يقترفه بعضها من مضايقات للمارة، أو عبث لبعض السيارات. إذ تعد الكلاب الضالة من أكبر التحديات التي تواجه السلطات المحلية في مصر، تلك التي أصبحت تتجول في الشوارع دون رقيب، ما يعرض المواطنين للخطر، خاصة الأطفال وكبار السن. وقد سجلت العديد من الحالات التي تعرض فيها أشخاص لمضايقات الكلاب الضالة، مما أدى إلى إصابات في بعض الأحيان. ووسط تلك المحاولات الحثيثة للسيطرة على الكلاب الضالة، في ضوء الحفاظ على حقها في الحياة، إذا بها الطبيعة تجود بحيوان جديد، أكثر ضراوة ليفرض نفسه على الساحة الإعلامية، وسط محاولات عديدة للسيطرة عليه. فقد أثارت ظاهرة ظهور مجموعة من التماسيح في مصرف مائي بجوار قرية الزوامل بمحافظة الشرقية حالة من الذعر والهلع والقلق بين الأهالي، خاصة مع اقتراب موقع ظهورها من الطرق المؤدية للمدارس، وخوف الأهالي من أن تهاجم الصغار ذهابا أو أيابا إلى المدارس، خصوصا إن بعضها إلى يصل طوله إلى المتر والنصف. فإن كان وجود كلاب الشوارع، من الظاهرات المألوفة للعامة، وقد يفسر كثافة أعدادها حديثا وجود طفرة في تكاثرها، فمن وراء ظاهرة وجود تماسيح في أحد المصارف؟ فربما كان وجود تلك الكائنات في أحد المصارف، رغم إنها لا تعيش في البرك والمصارف، بل إن بيئتها الطبيعية هي المياه العذبة، يرجح أن يكون سبب وجودها في المصرف هو إن بعض الأشخاص ممن اشتروا التماسيح صغيرة لتربيتها في المنازل، أو الآباء اللذين اشتروها لأبنائهم كهدية للنجاح، أو غيرها قد تخلصوا منها بعد أن كبرت بإلقائها في أقرب مصرف، ظنا منهم أن الأمر قد انتهى عند هذه الخطوة، وإن ما كان يشغل بالهم فقط هو عدم الاحتفاظ بها في البيوت. وفيما وراء ذلك، فهل ينتهي الحد عند استخراج ما كان في الاستطاعة من التماسيح من المصرف، بالاستعانة بالصيادين، والمتطوعين؟ وهل سوف نكتشف تماسيح أخرى في المصارف قريبا؟ قد اشتراها جيرانهم لأبنائهم أيضا، ربما يرجح ذلك، السماح ببيع وشراء التماسيح الصغيرة (ذات السنتيمترات طول) بأماكن بعينها وفي بعض الأسواق، فيشتريها البعض متفاخرين، ليضعوها في أحواض زجاجية في البيوت وفي المعارض، دون أي حساب أو مراعاة لليوم الذي تكبر تلك الكائنات الضارية، وتصبح السيطرة عليها درب من دروب الخيال. وبعد أن شغلنا انتشار الكلاب الضالة، راينا جميعا، اتتفاض السلطات المحلية والأجهزة التنفيذية لاحتواء موقف ظهور التماسيح، مع تشكيل لجنة عاجلة للتحقق من رصد التماسيح في المصرف، وإرسال فرق متخصصة من جهاز شؤون البيئة ومديرية الطب البيطري وصيادين وخبراء للنزول إلى موقع ظهور التماسيح لإجراء المعاينات، من ثم بذل جهود مضنية لاستخراجها، مع تأمين محيط المصرف ومنع اقتراب التماسيح من المناطق السكنية، إلى جانب اتخاذ إجراءات وقائية فورية لحماية المواطنين. التساؤل الذي يطرح نفسه: ماذا بعد؟ فهل يتم تجريم اقتناء مثل هذه الكائنات في البيوت؟ وهل يتم تجريم بيعها وشراءها؟ وهل يبادر المصريون ممن اشترى مثل هذه التماسيح بإبلاغ الجهات المسئولة لتأمين إخراجها من البيوت وإعادتها إلى أماكنها الطبيعية؟ ام سوف ننتظر أن تخرج هذه التماسيح من المصارف والبرك لتتغذى على الكلاب الضالة، فتخلصنا منها ! حفظ الله مصر. كاتب المقال: أستاذ نظم المعلومات الجغرافية بجامعة الفيوم