هي صوت تونس الذي كسب أحقية الحضور عن جدارة على الساحة الإعلامية، ومسيرتها الطويلة بين الإذاعة الوطنية التونسية والتلفزيون الوطني الرسمي بقناتيه الأولى والثانية، إنها المذيعة التونسية وداد محمد التي تألقت في الكثير من الأعمال وصنعت فارقًا مع جمهورها. وتعد وداد محمد رمزًا فنيًا كبيرًا، حيث حصلت على العديد من الألقاب المهمة في مسيرتها الفنية. في السطور التالية نتعرف على أهم الألقاب التي حصلت عليها وأيضًا أهم أعمالها الفنية. حدثينا عن بدايات مشوارك الإعلامي؟ البدايات كانت عبر استماعي للبرامج الثقافية والمنوعات الثقافية، وخاصة البرامج التي تضم نخبة من المثقفين والأدباء والشعراء. ثم صادفتني الفرصة حين أقيم مهرجان في مدينتي اسمه "عيد البحر" تحضره كل العائلات، مخصص لسهرة المواهب، يتقدم فيه كل من لديه موهبة حقيقية. وكانت موهبتي هي "التقديم"، فقدمّت الحفلة كاملة، فاقترحت إدارة المهرجان أن أتولى تقديم بقية الحفلات. ثم تم فتح باب الترشح لدخول المجال الإذاعي في الإذاعة الجهوية بالمنستير، وحينها فزت بالجائزة الوطنية لدور الثقافة، وأصبحت أصغر منشطة، وقدمت برنامجي الأول من إعدادي وتقديمي "سنابل الزمن"، ثم برنامج "موضوع وفنون". ثم انتقلت إلى الإذاعة الوطنية وهي أول إذاعة رسمية في تونس. وبعدها عملت في التلفزيون وقدمت منوعة تلفزيونية دامت خمس سنوات، كما أجريت العديد من التحقيقات وقدمت عدة برامج منها "ألحان" و"لكل الناس". كما أنتجت مجموعة من البرامج الأخرى، حتى يصادف القدر أن أكون مديرة لمهرجان "عيد البحر" الذي بدأت فيه، وأعدت "سهرة المواهب" ليظل بابًا مفتوحًا لاكتشاف المواهب في الفن والموسيقى والشعر وغيرها. عملت في الوطنية الأولى والثانية، وأنتجت برنامج "سهرات زمان" الذي كان عبارة عن عشر سهرات لعشرة فنانين قدموا حفلات في تونس. كانت أول سهرة لعبد الحليم حافظ، واستضفت ضيوفًا حضروا تلك الحفلة إضافة إلى مخرجها. ثم قدمت سهرات أخرى لأم كلثوم، فريد الأطرش، هاني شاكر، مارسيل خليفة، الموسيقى السيمفونية، والسهرة التونسية. ثم قدمت برنامجا آخر بعنوان "أثر في حياتي" كان يقوم على استضافة مشاهير الفن وسؤالهم: ما الذي أثر في حياتك؟ وعلى الصعيد الإذاعي قدمت العديد من البرامج التي صنعت ذاكرة المستمع، من بينها: شوق وذوق، صاحبة الامتياز، امرأة في المدينة، ياسمين وفل، في ظلال الأصيل، الليل حين يبوح، على كيفك، ولليل حكايات أخرى، أشرعة الليل، مؤانسات طربية، يوم سعيد، وغيرها الكثير. على غرار برنامجك "أثر في حياتي".. ما الذي أثر في حياة وداد محمد؟ الكثير من الأشياء أثرت في حياتي، وكان من بينها موقف حدث في فلسطين تحديدًا في بيت لحم، المعروفة بأنها رمز للعيش المشترك والسلام. كانت هناك امرأة بسيطة جدًّا، ورغم ذلك لا تقبل بأي مساعدة مادية وتقول: "إحنا هنا لنكمل هذا الرمز لمدينتي". وكانت على وجهها ملامح سعادة لا توصف. فأقول لنفسي: لابد دائمًا أن نشاهد مثل هذه المشاعر لنعرف قيمة وجودنا وقيمة الخير الذي نحن فيه. ومع كل صباح هناك فرصة جديدة يمنحها الله للإنسان ليكون له دورًا أكبر ويفيد الناس أكثر. حصلت على الكثير من الألقاب منها "سفيرة للتنمية المستدامة" و"شخصية العام ضمن قائمة 100 شخصية مؤثرة في العالم"، وكان آخرها "أفضل إعلامية عربية لعام 2025".. ما شعورك؟ بالطبع سعادتي لا توصف بهذا التكريم وهذا اللقب، وأنا على يقين بأن الإعلامي تتولد داخله طاقة متجددة كل يوم. فبعد نهاية كل حلقة يبدأ التفكير في الحلقة القادمة. وفي كل مرحلة من حياته تكبر مسؤولياته أكثر. ودوره الإعلامي يتجاوز ملء ساعات على الهواء، بل يتعدى ذلك بكثير، لأن الإعلامي يسهم في تغيير الوعي لدى المواطنين، خاصة إذا كان يمتلك أسلوبًا سلسًا ومبسّطًا يفهمه كل فئات الجمهور. وعلى ذكر "التنمية المستدامة"، فقد عملت على قضايا المناخ والبيئة منذ سنوات عديدة — "كنا سابقين عصرنا في هذا المجال" — وذلك لطبيعة المدينة التي كنت أسكن فيها، فهي محمية طبيعية عالمية. وقد قمت بزيارة العديد من المحميات داخل تونس وخارجها، وعملنا على أهمية المحافظة على المناخ والبيئة لنؤكد أننا نعيش في منظومة كاملة يجب أن تكون متكاملة. ما أبرز المحطات في مسيرتك الإذاعية والتلفزيونية؟ تجربتي في التنشيط المباشر لمدة خمس سنوات متتالية، ثم ثلاث سنوات، ثم سنتين أخريين، وتجربتي في الإعداد والتقديم. كما أعتز ببرنامجي "تاج الأقمار" و"امرأة في المدينة". وكانت سعادتي كبيرة في تقديم العديد من الحفلات المباشرة سواء عبر التلفزيون أو في المهرجانات. ومن أهم الحفلات التي قدمتها، والتي احتضنتها تونس لأول مرة، تقديم حفل أكبر علم في العالم بحضور أكثر من 8000 متفرج في الهواء الطلق بالجنوب التونسي. إذا عاد بك الوقت.. هل هناك محطة تودين إلغاءها؟ كل محطة في حياتي تعلمت منها. وإن لم نستفد من نجاحنا فنحن نستفيد من أخطائنا حتى لا نكررها. ربما أحب أن أمحو من حياتي محطة واحدة، وهي فترة إجازة طويلة بسبب شيء نبيل وهو الأمومة، لكن لو عاد الوقت لما كانت الإجازة بهذا الطول. قدمت الكثير من البرامج والحفلات والمهرجانات على مدار سنوات طويلة.. ما أهم الحفلات التي قدمتها من وجهة نظرك؟ ولماذا؟ برنامج "تاج الأقمار" أقدم من خلاله كل شخص مبدع، سواء في الأعمال الخيرية أو العلمية أو الطبية أو الأدبية أو الإبداعية بشكل عام. وقد كنت سعيدة بتقديم كثير من هذه المنوعات خارج تونس مثل تورينو، روما، باريس، الأردن، لبنان. لكن كانت قمة سعادتي أثناء تقديم البرنامج من فلسطين، وتحديدًا من رام الله، حيث وفر التلفزيون كل الإمكانات من استوديو خاص ومعدات تجعلني أقدم حلقة مميزة جدًّا. وكان لدي 12 ضيفًا في تلك الليلة. هل تتأثر شخصية "وداد" بالأحداث المختلفة التي تقدمها كمذيعة؟ أتأثر كثيرًا إذا كنت أحاور ضيفًا ويبوح بإجابات لأول مرة في برنامجي الخاص. أرجع إلى منزلي بحالة من التفكير العميق في ما قاله وقراءة ما بين السطور، وأشعر بكثير من السعادة لأنني أضفت شيئًا جديدًا. وأيضًا أتأثر بالمواقف المختلفة التي يتعرض لها ضيوفي أحيانًا. هل توجد شخصيات كان لها حضور إيجابي في مسيرتك المهنية؟ كنت أشاهد منذ الصغر الفنان كمال الشناوي، ولم أتخيل يومًا أن ألقاه. وعندما سنحت لي الفرصة بذلك أجريت معه حوارًا، وطلبت منه أن يقدم نصيحة، فقال: "أول نصيحة، بما أنكم شباب، لابد أن تعيشوا شبابكم وتستغلوا طاقتكم الحية، لأنه مع تقدم العمر تقل هذه الطاقة، وخاصة في مجال العمل". هذا خلق بداخلي نوعًا من الانتفاع اللامحدود في العمل أثناء تقديمي أي نوع من العمل، سواء تقديم حوار أو تحقيق أو غير ذلك. وأيضًا هناك بيت شعري للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي: "ألا انهض وسر في سبيل الحياة، فمن نام لم تنتظره الحياة". فأنا أكره النوم، وأشعر أنني نقص مني بعض الأشياء التي من الممكن أن أحققها، ولابد من صراع الوقت دائمًا للوصول إلى ما تريدين. ماذا عن خططك المستقبلية؟ لابد أن أكون عند حسن ظن كل من أعطاني ثقته. وقد وصلت إلى مرحلة من النضج تجعلني أقدم برامج أكثر ثراء وأكثر إثارة، من أجل التغيير والتحسين. اقرأ أيضا: وداد حمدي «خادمة الشاشة».. حياتها انتهت بشكل مأساوي